للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخذول {وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً} (١)، ولبس الجيش قبل الملتقى بثلاثة أيّام، ولم يزالوا على ظهور الخيل فى تلك المدّة ليلا ونهارا (٢)، وحصل التعب والملال، للخيل والرجال. ثمّ وردت الأخبار أنّ التتار ولّوا هاربين، وإلى وراهم راجعين، وبأنفسهم ناجعين، وذلك لما بلغهم من كثرة الجيوش الإسلاميّة، والعساكر المحمّديّة، وما هم عليه من العدّة والسلاح، وقوّة عزمهم على طلب الكفاح، وكان هذا كلّه مكرا منهم وخديعة للإسلام، وغشا (٧) لأمّة محمد عليه السلام. فظنّ المسلمون أنّ ذلك حقّا، وأنّ التتار قد عجزوا عن الملتقى

فلمّا كان نهار الأربعا تاسع وعشرين ربيع الأوّل التقى الجيشان، والتحم الضرب والطعان، وذلك أنّ المسلمين (١٠) ركبوا بعد صلاة الصبح من ذلك اليوم بالحدّ والحديد، والجدّ الأكيد، ركضا بالمقرعة والمهماز، وعاد الأمر حقيقة لا مجاز. وكان الطالع فى ذلك اليوم أنّ الطالب مغلوب، دون المطلوب، لكن عمّيت للأمر المقدّر القلوب، ليكون ما كان كامنا من المقدور فى الغيوب. ولم يزل (١٤) المسلمون على ذلك المشوار، إلى الخامسة من ذلك النهار. فأشرفوا على جموع التتار، وهم نزول على مواقد النار، مستريحون الخيول والأبدان. ولا يشكّ أنّ الراحة والتعب ضدّان، وبون بين المستريح والتعبان، وكلّ ذلك للأمور المقدّرة والأحكام المدبّرة. وحملت ميمنة المسلمين (١٨) على ميسرة التتار فأفنوهم


(١) السورة ٣٣ الآية ٣٨
(٢) ليلا ونهارا: ليل ونهار
(٧) غشا: غش
(١٠) المسلمين: المسلمون
(١٤) ولم يزل: ولم تزال
(١٨) المسلمين: المسلمون