للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شبعان. -فقال النسر للعقاب: ما آن لنا أن نروى من دم هذه الرقاب، وكيف نلام إذا حلّقنا على صفر الأعلام؟ وكيف لا يكن كلّ منّا لهذا الملك الإمام غلام؟ -فقال العقاب: أنا من قبلك بهذا البيت أتشرّف، إذ كنت لم أزل (٤) غلام أعلام أخيه الأشرف، فعرف لى هذه الحقوق، ولم يبرح بارّا لا عقوق. - (٥) فقال لسان الحال، فهو صاحب هذا المقال <من الكامل>:

ذو راحة وكفت ندا وكفت ردى ... تقضى بهلك عداته وعداته

كالغيث فى إروايه وروايه ... والليث فى وثباته (٧) وثباته

ولم تزل هذه الوليمة بين جيوش بنى يافث، وهم فى غاية الازدحام، إلى أن فرّقت بينهم جيوش حام. والجيوش الناصريّة قد أشرفت، وفى إهراق دما التتار قد أسرفت، إلى أن التجئوا إلى تلّ هناك، وقد تعيّن لهم عين الهلاك. وأحاطت بهم الجيوش إحاطة من آمن بمن كفر، لا إحاطة الهالة بالقمر. وباتوا بليلة مسودّة شيّبتها بوارق السيوف، طويلة قصّرها عندهم انتظار الحتوف.

وقد يروى أنّ ليالى الهموم طوال، وهذه الليلة مع همومهم كانت عليهم أقصر من طيف الخيال. وإن {سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ} (١٥) وكان صباحهم كثامن يوم عاد، كأنّهم كانوا وهم على ميعاد، فأصبحوا جاثمين و {فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ} (١٧) فلمّا نظروا إلى ما حلّ بهم من الويل. وقد انحدرت عليهم الجيوش الإسلاميّة انحدار السيل، تحقّقوا أن لا مناص.

ولا من الموت خلاص، لاموا بعضهم بعض، وقالوا: أما كان لنا معتبر (١٩)


(٤) لم ازل: مكرر بالهامش--أخيه: أخوه
(٥ - ٧) فقال. . . وثباته: بالهامش
(١٥) السورة ٦٩ الآية ١٧٧
(١٧) السورة ٣٧ الآية ١٧٧
(١٩) معتبر: معتبرا