للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت المعتزلة والجهميّة: (١) إنّ الجنّة لم تخلق بعد كما قالوا فى النار واحتجّوا فى الجنّة بقوله تعالى: {تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ»} (٢)، والجعل هو الخلق، وإنّما يجعلها يوم القيامة، واحتجّوا أيضا بقوله تعالى: {جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماااتُ وَالْأَرْضُ»} (٣) والطول أهمّ من الأرض فأين تكون وأعدّت للمتّقين لنا، وما احتجّوا به فليس المراد من الآية الخلق فى المستقبل بل فى الماضى أى جعلها لئلاّ يقع التناقض بين الآيتين، وإذا ثبت أنّها مؤخّرة فأهلها يتنعّمون فيها على الأبد.

وقال جهم بن صفوان: يبيدان ويفنيان لئلاّ يصير أهلها شركاء لله تعالى، ولنا قوله تعالى: {جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خالِدِينَ فِيها»} (٤)، فى مثل آيات كثيرة وردت فى الكتاب العزيز بذلك، وما ذكره فلا نسلم أنّه يؤدّى إلى المشاركة لأنّ الله تعالى واجب الوجود (٦٦) واجب البقاء مستحيل العدم، والعبد جائز الوجود جائز البقاء فعدمت المشاركة.

وأمّا احتجاجهم فى العرض والطول فاحتجاج ضعيف وقد ردّ عليهم بأحسن ممّا احتجّوا به، وليس هذا كتاب بحث ومناظرة، وكذلك ما احتجّوا به فى قولهم جعل بمعنى خلق، فقد ذكرت الفرق بين ذلك فى كتابى المسمّى ذخائر الأخائر فى الذخيرة الثانية المسمية (٥) «بذخيرة الياقوت البهرمان فى تأييد تنزيل القرآن بالدلائل الواضحة والبرهان».

قلت: وقد جاءت فى فضائل الجنّة أخبار وآثار، منها: قال الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله (٦) بإسناده إلى أبى بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال: قال


(١) راجع Daiber,Mucammar ٥٤٢ - ٧٤ :
(٢) القرآن الكريم ٢٨/ ٨٣
(٣) القرآن الكريم ٥٧/ ٢١
(٤) القرآن الكريم ١٨/ ١٠٧ - ١٠٨
(٥) المسمية: المسماة.
(٦) المعجم المفهرس ٢/ ٢٥٠؛ صحيح البخارى ٣/ ١٩٧،٤/ ٢٨٧