للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علمنا بها (١) ظاهرًا أنه لولا صدق المدعي لدفع المدعى عليه دعواه باليمين؟ فلما نَكَلَ عنها كان نكوله قرينة ظاهرة، دالة على صدق المدعي، فقدمت (٢) على أصل براءة الذمة.

وكثير من القرائن والأمارات أقوى من النكول، والحس شاهد بذلك، فكيف يسوغ تعطيل شهادتها؟

ومن ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الزبير أن يقرر عَمَّ حُيَىّ بن أخطب (٣) بالعذاب على إخراج المال الذي غَيَّبه، وادعى نفاده. فقال له: "العَهْدُ قَريبٌ، وَالمَالُ أَكْثر مِنْ ذَلِكَ" (٤) فهاتان قرينتان في غاية القوة: كثرة المال، وقصر المدة التي يُنفق كله فيها.

وشرح ذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أجلى بني النضير من المدينة، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم، غير الحلقة والسلاح، وكان لأبي الحُقَيق (٥) مال عظيم - بلغ مسك (٦) ثور من ذهب وحلي - فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) في "ب": "علمناها".
(٢) في "ب" و"جـ": "فتقدمت".
(٣) اسمه "سَعْية" كما في رواية أبي داود (٢٩٩٠) (٨/ ٢٣٨). وفي فتوح البلدان للبلاذري (٣٧): "سيعة بن عمرو".
(٤) سيأتي تخريجه قريبًا.
(٥) هكذا في النسخ جميعها "لأبي الحقيق"، والصواب: ابن أبي الحُقَيق. كما سيذكره ابن القيم وكما هو مثبت في كتب السنة التي روت ذلك. وسيأتي ذكرها عند تخريج الحديث.
(٦) المسك: الجلد. انظر: المصباح المنير (٥٧٣)، والقاموس (١٢٣٠)، جامع =