للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سائر الجِعَالات؛ إذا جعل كلٌّ منهما جُعلًا لمن يعمل له نظير ما يعمله هو للآخر.

وهذا مُشْتَرك الإلزام بين الطائفتين؛ فإنهم سلَّموا له أنها من باب الجعَالات، ثم اقتصروا بها على بعض الأعمال المباحة، واشترطوا فيهَا المحلِّل إذا كان الجُعل منهما، وهذا مخالفٌ لقاعدة باب الجِعَالة.

وقالت طائفة ثالثة: ليس هذا من الجِعَالة في شيء؛ فإنه من المعلوم أن المتسابِقَيْن إذا أخرج أحدهما سَبَقًا للآخر إذا غلبه ليس مقصوده أن يغلبه الآخر، ويأخذ ماله؛ فإنَّ هذا لا يقصده عاقلٌ، فكيف يقصد العاقل أن يكون مغلوبًا خاسرًا؟! بل (١) مقصوده: أن يكون غالِبًا كاسِبًا؛ كما يقصد المجاهد. والجعالة: قصدُ الباذل فيها حصول العمل من الآخر، ومعاوضتُه عليه بمَاله. وهذا عكس باب المسابقة؛ فإن المسابقة هي على صورة الجهاد، وشُرِعت تمرينًا وتدريبًا وتوطينًا للنفس عليه، والمجاهد لا يقصِدُ أن يَغْلِب ويَسْلُب - وإن كان قد يقع ذلك من آحاد المجاهدين - إذا قَصَدَ الانغماس في العدو، وأن يستشهد في سبيل الله تعالى، وهذا يُحْمَد إذا تضمَّن مصلحةً للجيش والإسلام، كحال الغلام الذي أمر الملك بقتله؛ ليتوصل بذلك إلى إسلام الناس (٢).


(١) ليس في (ح).
(٢) انظر هذه القصة في صحيح مسلم رقم (٣٠٠٥) من حديث صهيب الرومي ﵁.

<<  <  ج: ص:  >  >>