للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأذواقًا لا يمكنهم دفعها عن قلوبهم، ولم يروها تُستجلَب بمثل السماع، فلو لامَهم فيه كل لائم لم يُصْغُوا إلى ملامه، وقالوا لمن لامهم:

أقول لِلَّائمِ المُهدِي ملامتَه ... ذُقِ الهوى وإنِ اسْطَعْتَ (١) الملامَ لُمِ (٢)

فهم يعذرون اللُوّام إذ هم محجوبون عما فيه القوم من تلك الأحوال، ولا يلتفتون إلى ملامهم، بل قد يستلذ أحدهم الملامة كما قيل:

أجدُ الملامةَ في هواك لذيذةً ... حبًّا لذكرك فليَلُمْني اللُّوَّمُ (٣)

ولا ريب أنهم معذورون، إذ لم يجدوا مَن يخاطبهم بأذواقهم، ويكلمهم على مقتضى أحوالهم، ويشاركهم في وجدهم وشأنهم، فيُناديهم من مكان قريب، وإنما يُبتلَون بجافٍ جلفٍ أبعد شيءٍ عن (٤) معاملات القلوب وأحوالها ومنازلاتها، كثيف الطباع، موكل بإنكار ما لم يُحِطْ بعلمه، غليظ الحجاب عن شأن القوم، وما تعلقت به (٥) هممهم، فينكر عليهم إنكار مَن لم يذق ما ذاقوه ولا باشر ما باشروه، ولا ذاق من الشراب الذي شربوه، فأعمال القلوب عنده (٦) كأنها شريعة


(١) في جميع النسخ: "استطعت". ولا يستقيم به الوزن.
(٢) البيت للشريف الرضي في "ديوانه" (٢/ ٢٧٤)، وبلا نسبة في "مدارج السالكين" (٤/ ٤٣٦).
(٣) البيت لأبي الشيص الخزاعي، وتخريجه في "روضة المحبين" (ص ٣٥، ٣٦).
(٤) ع: "من".
(٥) "به" ليست في ك.
(٦) في الأصل: "عندهم". والمثبت من ع، ك.