للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمّ شرع له أن يرفع رأسه ويعتدل جالسًا، ولما كان هذا الاعتدال (١) محفوفًا بسجودين: سجود قبله وسجود بعده، فينتقل من السجود إليه ثمّ منه إلى السجود، كان (٢) له شأن. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُطيله بقدر السجود، ويتضرع فيه (٣) إلى ربه ويستغفره، ويسأله رحمته وهدايته ورزقه وعافيته (٤)، وله ذوق خاص وحال للقلب غير ذوق السجود وحاله، فالعبد في هذا القعود قد تمثَّل جاثيًا بين يدي ربه، مُلقيًا نفسه بين يديه، معتذرًا إليه مما جناه، راغبًا إليه أن يغفر له ويرحمه مستعديًا على نفسه الأمَّارة بالسوء. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرر الاستغفار (٥)، في هذه القعدة، ويكثر رغبته (٦) إلى الله فيها.

فمثِّلْ نفسَك بمنزلة غريمٍ عليه حق الله وأنت كفيل به، والغريم مماطلٌ (٧) مخادع، وأنت مطلوب بالكفالة، والغريم مطلوب بالحق، فأنت تستعدي عليه حتى تستخرج ما عليه من الحق لتتخلص من


(١) ع: "الجلوس".
(٢) ع: "وكان".
(٣) "فيه" ليست في ك.
(٤) كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود (٨٥٠) والترمذي (٢٨٤) وابن ماجه (٨٩٨) عن ابن عباس. وإسناده حسن. وقال الترمذي: حديث غريب. وصححه الحاكم (١/ ٢٦٢، ٢٧١).
(٥) كما في حديث حذيفة الذي سبق تخريجه (ص ١٣٣).
(٦) ع: "الرغبة".
(٧) ك: "باطل".