للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويرحمه ويعافيه ويهديه ويرزقه.

فإذا جلس في التشهد فله حال آخر وإقبال آخر، شِبْه (١) حالِ الحاجِّ في طواف الوداع، وقد استشعر قلبُه الانصرافَ من بين يدي ربه، وموافاةَ العلائقِ والشواغلِ التي قطعَها الوقوفُ بين يديه، وقد ذاق تألم قلبه وعذابه بها، وباشرَ رَوْحَ القربِ ونعيمَ الإقبالِ على الله وعافيته، بانقطاعِها (٢) عنه مدةَ الصلاة، ثم استشعر قلبُه عودَها إليه بخروجه من حِمَى الصلاة، فهو يحملُ همَّ انقضاءِ الصلاة وفراغها، ويقول ليتَها اتصلتْ بيوم اللقاء، ويعلم أنه ينصرف من مناجاةِ مَن كلُّ السعادةِ في مناجاته، إلى مناجاةِ مَن الأذى والهمُّ والغمُّ والنَّكَدُ (٣) في مناجاته، ولا يشعر بهذا وهذا إلا قلبٌ حيٌّ معمور بذكر الله ومحبته والأنسِ به.

ولما كان العبد بين أمرين من ربه عزّ وجل:

أحدهما: حكمُ الرب (٤) عليه في أحواله كلِّها ظاهرًا وباطنًا، واقتضاؤه منه القيامَ بعبوديةِ حكمِه، فإن لكل حكمٍ عبوديةً تخصُّه، أعني الحكم [٥٩ ب] الكوني القدري.


(١) ع: "يشبه".
(٢) في الأصل: "وعاقبته وانقطاعها". والمثبت من ع، ك.
(٣) ع: "والتكدر".
(٤) "الرب" ليست في الأصل.