للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلَّ جارحةٍ من الجوارح حظَّها من العبودية، وجعلَ ثمرتَها وروحَها إقبالَه على ربه فيها بكليته، وجعل ثوابها وجزاءها القربَ منه ونيلَ كرامته في الدنيا والآخرة، وجعلَ منزلتَها ومحلَّها الدخولَ على الله تبارك وتعالى والتزينَ للعرض عليه، تذكيرًا بالعرضِ الأكبر عليه يومَ اللقاء.

وكما أن الصوم ثمرته تطهيرُ النفس، وثمرة الزكاة تطهير المال، وثمرة الحج وجوب المغفرة، وثمرة الجهاد تسليم [٦٠ أ] النفس التي اشتراها سبحانه من العباد وجعلَ الجنة ثمنَها، فالصلاة ثمرتها الإقبال على الله، وإقبال الله سبحانه على العبد، وفي الإقبال جميع ما ذُكِرَ من ثمراتِ الأعمال. ولذلك لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: جُعِلت قرةُ عيني في الصوم ولا في الحج والعمرة، وإنما قال: "وجُعِلتْ قرةُ عيني في الصلاة" (١).

وتأمَّلْ قولَه: "جُعِلتْ قرةُ عيني في الصلاة"، ولم يقل "بالصلاة" إعلامًا بأن عينَه إنما تَقَرُّ بدخوله فيها، كما تَقَرُّ عينُ المحب بملابسته لمحبوبه، وتَقَرُّ عينُ الخائفِ بدخوله (٢) في محل أمنِه، فقرةُ العينِ


(١) أخرجه أحمد (٣/ ١٢٨، ١٩٩) وأبو يعلى (٣٤٨٢) والطبراني في "الأوسط" (٥١٩٩) والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٧٨) من طرق عن سلام أبي المنذر عن ثابت عن أنس، وإسناده حسن. وصححه الحاكم في المستدرك (٢/ ١٦٠). وقال الذهبي في "الميزان" (٢/ ١٧٧): إسناده قوي. وحسَّنه ابن حجر في "التلخيص" (٣/ ١٣٣).
(٢) "فيها ... بدخوله" ساقطة من ك.