للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورسوله، فإذا نهى مَن خالفهم عما نهى الله ورسوله عنه من ذلك لم يكن لأحد أن يقول: هذا إنكارٌ على كذا وكذا من الصديقين وأئمة المسلمين، فإن هذا الإنكار من نظرائهم أو من هو أعلم بذلك منهم، وإن كانوا أعلمَ منه بشيء آخر، فالصديقون أنكر بعضهم على بعض، وردَّ بعضهم على بعض، وخطَّأ بعضهم بعضًا، بل قاتل بعضهم بعضًا (١)، وكل ذلك لله وفي الله وفي مرضاته.

فصل

وهاهنا نكتة ينبغي التفطُّن لها، وهي أنَّ الله سبحانه لما سبق في قضائه وقدره وعلمه السابق أنَّ الأمة لابدّ أن تختلف، ويكون فيها من يستحلُّ بعضَ ما حرَّمه بالتأويل، جعل للمختلفين (٢) سلفًا صالحًا خفي عليهم بعضُ ما جاء به رسوله فخالفوه متأولين، وهم مطيعون [٩٥ ب] لله ورسوله، وإن أخطأوا حكمَه في بعض ما اختلفوا فيه للاشتباه والخفاء، كما يكون من خفيت عليه القبلة فصلى بالاجتهاد إلى غير جهتها مطيعًا لله ورسوله، فلولا اختلاف المتقدمين لهلك المتأخرون.

ومن كمالِ نعمته وتمامِ رحمته أن جعل في الأمة من يعرف ما خفي على الآخر من الصواب، وكذلك هذا أيضًا قد يخفى عليه الصواب في شيء آخر، ويعرفه ذلك. فمجموع الحق عند مجموع الأمة.


(١) "بل قاتل بعضهم بعضًا" ساقطة من ع.
(٢) في الأصل: "المختلفين".