للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه المواطن الثلاثة تطلب فيها النفوسُ الحركةَ الشديدة: عند الذكر والدعاء لما فيه من الحلاوة [١٠٤ ب] ومحبة ذكر الله ودعائه، وعند الجنائز بالحزن والبكاء، وعند القتال بالغضب والحميَّة. ومضرةُ رفع الصوت بذلك أعظم من منفعته، بل قد يكون ضررًا محضًا، وإن كانت النفس تشتفي (١) به، وتبرَّأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصالقة (٢)، وهي التي ترفع صوتها بالمصيبة، فكيف بالمغنية التي ترفع صوتها بالغناء!

وأمّا القتال فالسنّة فيه أيضًا خفض الصوت، وأمّا هذه الدبادب (٣) والأبواق والطُّبول فإنها لم تكن على عهد الخلفاء الراشدين ولا من بعدهم من أمْرِ المسلمين، وإنما حدثت من جهة بعض ملوك المشرق (٤) من أهل فارس، وانتشرت في الأرض، وتداولها الملوك، حتى رَبَا فيها الصغيرُ وهرِمَ الكبيرُ، لا يعرفون غير ذلك، وينكرون على مَن ينكره. ويزعمُ بعض الجهال أن هذا من إحداث عثمان بن عفّان (٥)، وليس الأمر كذلك (٦)، بل ولا مِن فعْل مَن بعده من الخلفاء، وإنما ورثتْه الأمةُ من الأعاجم، ولم يكن منه بدٌّ تحقيقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتأخذَنَّ


(١) ع: "تشفى".
(٢) أخرجه البخاري (١٢٩٦) ومسلم (١٠٤) عن أبي موسى الأشعري.
(٣) جمع دبداب، وهو الطبل. وفي الاستقامة (١/ ٣٢٥): "الدقادق" تحريف.
(٤) ع: "الشرق".
(٥) "بن عفان" ليست في الأصل.
(٦) ع: "مثل ذلك".