للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإن كنت ملكاً فاقتد بسنه وأعماله حين ملك أمر العرب، وغلب على آفاقهم، ودان لطاعته عظماؤهم، وذوو أحلامهم، وإن كنت رعية ضعيفاً فلك في رسول الله أسوة حسنة أيام كان محكوماً بمكة في نظام المشركين.

وإن كنت فاتحاً غالباً فلك من حياته نصيب أيام ظفره بعدوه في بدر وحنين ومكة، وإن كنت منهزماً - لا قدر الله ذلك - فاعتبر به في يوم أحد وهو بين أصحابه القتلى ورفقائه المثخنين بالجراح.

وإن كنت معلماً فانظر إليه وهو يعلم أصحابه في صُفَّة المسجد، وإن كنت تلميذاً متعلماً فتصور مقعده بين يدي الروح الأمين جاثياً مسترشداً. وإن كنت واعظاً ناصحاً ومرشداً أميناً فاستمع إليه وهو يعظ الناس على أعواد المسجد النبوي.

وإن أردت أن تقيم الحق وتصدع بالمعروف وأنت لا ناصر لك ولا ميعن فانظر إليه وهو ضعيف بمكة لا ناصر ينصره ولا معين يعينه، ومع ذلك فهو يدعو إلى الحق ويعلن به. وإن هزمت عدوك، وخضدت شوكته، وقهرت عنده، فظهر الحق على يدك، وزهق الباطل، واستتب لك الأمر، فانظر إلى النبي صلى لله عليه وسلم يوم دخل مكة وفتحها.

وإن أردت أن تصلح أمورك وتقوم على ضياعك فانظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد ملك ضياع بني النضير وخيبر وفدك كيف دبر أمورها وأصلح شئونها وفوضها إلى من أحسن القيام عليها.

وإن كنت يتيماً فانظر إلى فلذة كبد آمنة وزوجها عبد الله وقد توفيا وابنهما صغير رضيع. وإن كنت صغير السن فانظر إلى ذلك الوليد العظيم حين أرضعته مرضعته الحنون حليمة السعدية. وإن كنت شاباً فاقرأ سير راعي مكة. وإن كنت تاجراً مسافراً بالبضائع فلاحظ شئون سيد القافلة التي قصدت بُصرى.

وإن كنت قاضياً أو حكماً فانظر إلى الحكم الذي قصد الكعبة قبل بزوغ الشمس ليضع الحجر الأسود في محله وقد كاد رؤساء مكة يقتتلون، ثم ارجع البصر إليه مرة أخرى وهو في فناء مسجد المدينة يقضي بين الناس بالعدل يستوي عنده منهم الفقير المعدم والغني المثري.

<<  <  ج: ص:  >  >>