للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك إنه ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليه، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله وعمرو من أن يسمع النجاشي كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك. فأسلمهم إليهما. فغضب النجاشي، ثم قال: لا ها الله إذا لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد (١) قومًا جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم. ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله فدعاهم، فلما جاءهم رسوله، اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمتنا، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنًا في ذلك ما كان. فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟.

قالت: وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، إنا كنا قومًا أهل جاهلية: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قالت: فعدد له أمور الإسلام -فصدقناه وآمنا به واتبعناه، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.

قالت: فقال: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قال: نعم؟ قال: فاقرأه


(١) لا أكاد: من المكيدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>