للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلا تعجب إذا كان مسلم يشيد بذكر صحيحه فيقول - تحدثاً بنعمة ربه عليه -: لو أن أهل الأرض يكتبون الحديث مائتي سنة ما كان مدارهم إلا على هذا المسند.

ويدل على شدة تحريه، واستيثاقه من المرويات قوله: ما وضعت شيئاً في كتابي هذا إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئاً إلا بحجة.

[سماحة الإمام في البحث]

ولم يكن مسلم متعصباً لرأيه بل كان يتسم بسمة العلماء الذين يبتغون الحق، ولا عليهم لو ظهر على لسان أي شخص كان، ولا يرون غضاضة في الرجوع إلى الحق إذا ظهر، بل يعتبرونه فضيلة.

وبعد انتهائه من تدوين صحيحه عرضه على أئمة هذا العلم النبوي الشريف. روى الخطيب بإسناده عن مكي بن عبدان أحد حفاظ نيسابور قال: سمعت مسلماً يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي (١)، فكل ما أشار أنه له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة خرجته.

وهذا غاية التواضع، وعدم الاغترار بالنفس، والإعجاب بالرأي، وهو أدب عال من آداب البحث في الإسلام.

[منهج مسلم في صحيحه]

لم ينص الإمام مسلم على أن شرطه في صحيحه (٢) هو كذا، وإنما استخرج العلماء ذلك من النظر في كتابه؛ والذي استخلصوه أن شرطه في صحيحه أنه لا يخرج الأحاديث إلا عن العدول الضابطين، الموثوق بصدقهم وأمانتهم، وحفظهم ويقظتهم وعدم غفلتهم، كما يخرج عمن دون ذلك من الرواة وأنه لا يخرج في كتابه بالأصالة إلا الأحاديث المسندة المتصلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.


(١) هو حافظ عصره عبيد الله بن عبد الكريم، كان من أفراد الدهر حفظاً وذكاء وديناً، وإخلاصاً، وعلماً وعملاً، وكانت وفاته سنة أربع وستين ومائتين.
(٢) وذلك فيما عدا العنعنة فقد ذكر في مقدمة صحيحه اكتفاءه في إفادتها الاتصال بالمعاصرة ولم يشترط الملقي وأنحى باللائمة على من اشترطه أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>