للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[فصل: في غزوة بدر]

[تمهيد]

لبدر أهمية كبيرة في السيرة النبوية وفي التاريخ الإسلامي، فلقد تركت بصماتها على كل معارك الإسلام، فلا تجد اندفاعاً نحو الجهاد إلا ودروس بدر وراءه، بل إن سورة الأنفال التي نزلت بسببها هي التي اعتاد المسلمون أن يقرؤها بين يدي القتال، وأن يدرسوها كلما أرادوا جهاداً، ولقد كانت بدر معلماً بارزاً بين مرحلتين مرحلة الضعف ومرحلة القوة {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} (١).

ولذلك فقد وجد بعدها النفاق ومن قبل كان كفر وإيمان فقط، ولقد حقق الله عز وجل بها وعوداً كثيرة وعدها رسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين وأنجز فيها وعيداً كثيراً كان تهدد به الكافرين، وعنها وبها وجدت كثير من أحكام القتال المستقرة وآدابه المستمرة، إن القتال يتفرع عنه الغنيمة والأسر، ولم تنج أمة من انحدار أخلاقي في شأن الغنائم والأسارى إلا هذه الأمة، ولقد كانت غزوة بدر هي الفاتحة لإقامة الصرح الأخلاقي الأعلى في هاتين القضيتين وغيرهما.

كان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً معهم فرسان وحوالي سبعين بعيراً، وكان المشركون ألفاً وثلاثمائة ابتداء، تقلصوا إلى حوالي ٩٥٠ انتهاء، معهم حوالي مائة فرس وستمائة درع وأعداد كبيرة من الجمال، وهؤلاء عرب وهؤلاء عرب، ومع ذلك كانت النتيجة أن هُزِمَ المشركون وانتصر المسلمون، وكانت هزيمة عجيبة غير متوقعة على ضوء عالم الأسباب، قتل من المشركين سبعون وأسر سبعون وفر الباقون بينما قتل من المسلمين أربعة عشر رجلاً، ستة من الأنصار وثمانية من المهاجرين، إنه في موازين المادة لأمر عجيب، ولكنه في الموازين الإمانية نتيجة عادية، إنها إرادة الله التي لا يقف أمامها شيء، وهذه هي عبرة بدر الكبرى.


(١) آل عمران: ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>