للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والتصرف فيه إلى ما يراه الإمام من المصلحة، وأنه لا يجب عليه تقسيمه بين الجيش كما تقسم عليهم الغنائم التي غنموها بعد قتال وحرب، مستدلين على ذلك بسياسته صلى الله عليه وسلم في تقسيم فيء بني النضير، فقد خص به - كما رأيت - المهاجرين وحدهم، وقد نزل القرآن تصويباً لذلك، في الآيتين اللتين ذكرناهما.

ثم اختلفوا في الأراضي التي غنمها المسلمون بواسطة الحرب: فذهب مالك إلى أن الأرض لا تقسم مطلقاً، وإنما يكون خراجها وقفاً لمصالح المسلمين إلا أن يرى الإمام أن المصلحة تقضي القسمة فإن له ذلك، ويذهب الحنفية قريباً من هذا المذهب.

أما الشافعي فذهب إلى أن الأرض المأخوذة عنوة تجب قسمتها كما تجب قسمة غيرها من الغنائم، وهو الظاهر من مذهب الإمام أحمد أيضاً.

ودليل ما ذهب إليه الشافعي، أن تصرف النبي صلى الله عليه وسلم بأموال بني النضير، على خلاف ما تقتضيه القسمة بين الغانمين في الحرب، إنما كان بسبب عدم وجود أي قتال تسبب عنه الحصول على تلك الغنائم. وقد نصت الآية على ذلك في معرض تعليل حكمه صلى الله عليه وسلم، في فيء بني النضير، وهي قوله تعالى: (وما أفاء الله على رسوله منهم، فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) (١) وإذا كان هذا هو مناط جواز عدم القسمة لأراضي الفيء فمن الواضح أنه إذا ارتفع مناط الحكم، ارتفع الحكم معه، وعاد الحكم المنصوص عليه في حق الغنائم، سواء في ذلك الأراضي وغيرها.

ودليل ما ذهب إليه مالك وأبو حنيفة أمور كثيرة، من أهمها عمل عمر رضي الله عنه حينما امتنع عن تقسيم سواد العراق، وجعلها وقفاً يجري خراجها ريعاً للمسلمين وليس المجال هنا متسعاً لأكثر من هذا العرض المجمل في الموضوع.

إنما الذي ينبغي أن ننتبه إليه من هذا البحث هنا، هو التعليل الذي ذكره الله تعالى في الآيتين اللتين أوضحتا سياسته عليه الصلاة والسلام في تقسيم فيء بني النضير إذ اختص به أناساً دون آخرين. فقد ذكر الله تعالى في تعليل ذلك قوله: (لكي لا يكون دولة بين


(١) الحشر: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>