للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلى الله عليه وسلم أم لا، وإنما استبعد المانع وقوع الاعتماد على الظن مع إمكان القطع، ولا يضر ذلك، لأنه بالتقرير يصير قطعياً، وقد ثبت وقوع ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم كما في هذه القصة وقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتيل أبي قتادة كما سيأتي في غزوة حنين وغير ذلك.

ومن فوائد هذه القصة ما ذكره البوطي: القيام إكراماً للقادم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار حينما أقبل نحوهم سعد بن معاذ راكباً دابته أن يقوموا إليه تكريماً له، ودل على هذا التعليل قوله: لسيدكم أو خيركم، وقد استدل عامة العلماء بهذا وغيره على مشروعية إكرام الصالحين والعلماء بالقيام إليهم في المناسبات الداعية إلى ذلك عرفاً.

يقول الإمام النووي تعليقاً على هذا الحديث: فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم بالقيام لهم إذا أقبلوا، هكذا احتج به جماهير العلماء لاستحباب القيام. قال القاضي: وليس هذا من القيام المنهي عنه، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه وهو جالس ويمثلون قياماً طول جلوسه. قلت: القيام للقادم من أهل الفضل مستحب، وقد جاء فيه أحاديث، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح.

ومن الأحاديث الثابتة الدالة أيضاً على ذلك، ما جاء في حديث كعب بن مالك المتفق عليه، وهو يقص خبر تخلفه عن غزوة تبوك، قال: فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة، ويقولون لي لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام غلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره - فكان كعب لا ينساها لطلحة -.

ومن ذلك أيضاً ما رواه الترمذي وأبو داود (١) والبخاري في الأدب المفرد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة، قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآها أقبلت رحب بها ثم قام إليها فقبلها، ثم


(١) الترمذي (٥/ ٧٠٠)، ٥٠ - كتاب المناقب - ٦١ - باب فضل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم.
- وأبو داود (٤/ ٣٥٥)، كتاب الأدب، باب ما جاء في القيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>