للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال هشام (١): وحدثني أبي وغيره: أن إسماعيل عليه السلام لما سكن مكة، ووُلِدَ بها أولادُهُ، فكثروا، حتى ملأوا مكة، ونَفَوْا من كان بها من العماليق: ضاقت عليهم مكة، ووقعت بينهم الحروب والعداوات، وأخرج بعضهم بعضًا، فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش، فكان الذي حملهم على عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يَظعنُ من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرًا من حجارة الحرم، تعظيمًا للحرم، وصبَابَةً بمكة، فحيثما حلّوا وضعوه وطافُوا به كطوافهم بالبيت، حُبًّا للبيت، وصبابةً به، وهم على ذلك يعظِّمون البيت ومكة، ويحُجُّون ويعتمرون، على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ثم عبدوا ما استحسنوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم غيرَهُ، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم، واستخرجوا ما كان يعبد قوم نوح عليه السلام، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت والطواف به، والحجّ والعمرة، والوقوف بعرفة والمزْدلفة، وإهداء البُدْن.

وكانت نِزَارُ تقول في إهْلالها: لَبّيْكَ اللّهُمَّ لبيْكَ، لا شريك لك إلا شريكٌ هو لك، تملكه وما ملك!

وكان أولَ مَنْ غَيّر دين إسماعيل فنَصبَ الأوثان، وسَيّب السائبة، ووصل الوصيلة، وحَمَى الحامي: عمرو بن ربيعة، وهو لحيّ بن حارثة، وهو أبو خُزاعة، وكانت أم عمرو فُهيرة بنت عمرو بن الحارث، وكان الحارث الذي يَلي أمر الكعبة، فلما بلغ عمرو بن لُحيّ نازعه في الولاية، وقاتل جرهم ببني إسماعيل، فظفر بهم، وأجلاهم عن الكعبة، ونفاهم من


(١) كتاب الأصنام (ص ٦ ـ ٨)، وعنه رواه ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص ٥٢).