للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أسباب عبادته أيضًا: أن الشياطين تدخل فيها، وتخاطبهم منها، وتخبرهُم ببعض المغيَّبات، وتَدُلُّهم على بعض ما يخفى عليهم، وهم لا يشاهدون الشياطين. فجهلتهم وسقطهم يظنُّون أن الصنم نفسه هو المتكلم المخاطِب! وعقلاؤهم يقولون: إن تلك روحانيات الأصنام! وبعضهم يقول: إنها ملائكة! وبعضهم يقول: إنها العقول المجرّدة! وبعضهم يقول: هي روحانيات الأجرام العلوية! وكثير منهم لا يسأل عمّا عهد، بل إذا سمع الخطاب من الصنم، اتخذه إلهًا، ولا يسأل عمَّا وراء ذلك.

وبالجملة فأكثر أهل الأرض مفتونون بعبادة الأصنام والأوثان، ولم يتخلّص منها إلا الحُنفاء أتباع مِلّة إبراهيم عليه السلام.

وعبادتها في الأرض مِنْ قَبْلِ نوح عليه السلام، كما تقدم، وهياكلها ووقوفها وسدنتها وحُجّابها والكتب المصنفة في شرائع عبادتها طَبَّقَ الأرض.

قال إمام الحنفاء: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم: ٣٥، ٣٦].

والأمم التي أهلكها الله بأنواع الهلاك كلهم كانوا يعبدون الأصنام، كما قَصّ الله تعالى ذلك عنهم في القرآن، وأنجى الرسُلَ وأتباعهم من الموحدين.

ويكفي في معرفة كثرتهم وأنهم أكثر أهل الأرض: ما صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن بَعْثَ النار من كل ألفٍ تسع مئة وتسعة وتسعون» (١).


(١) أخرجه البخاري (٣٣٤٨)، ومسلم (٢٢٢) عن أبي سعيد.