للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت فرقة: بل النور هو القديم، ولكنه فَكّرَ فكرةً رديئةً حدثت منها الظُّلمة.

فدار مذهبهم على أصلين من أبطل الباطل:

أحدهما: أن شر الموجودات، وأخبثها، وأردأها: كُفْؤٌ لخير الموجودات، وضدٌّ له ومُناوئٌ له، يُعارضه، ويُضادّه، ويناقضه دائمًا، ولا يستطيعُ دفعه.

وهذا أعظم من شرك عُبّاد الأصنام، الذين عبدوها لتُقَرّبهم إلى الله تعالى، فإنهم جعلوها مملوكةً له، مربوبةً مخلوقة، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبّيكَ اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكٌ هو لَكَ، تَمْلكهُ وما ملَكَ (١).

والأصل الثاني: أنهم نزّهوا النور أن يَصْدُرَ منه شرٌّ، ثم جعلوه مَنْبَعَ الشرّ كله، وأصلَه ومُوَلِّدَهُ، وأثبتوا إلهين، ورَبّينِ، وخالقين، فجمعوا بين الكفر بالله تعالى، وأسمائه وصفاته، ورسله، وأنبيائه، وملائكته، وشرائعه، وأشركوا به أعظم الشرك.

وحكى أربابُ المقالات عنهم: أن قومًا منهم يقال لهم: الدِّيصَانِيّةُ زعموا أن طينةَ العالم كانت طينةً خَشِنَةً، وكانت تُحاكي جسم النور الذي هو الباري عندهم زمانًا، فتأذّى بها، فلما طال ذلك عليه قصد تنحيتها عنه، فتوحّل فيها، واختلط بها، فتركّب من بينهما هذا العالم المشتملُ على النور والظلمة، فما كان من جهة الصلاح فمن النور، وما كان من جهة الفساد فمن الظلمة.


(١) كما في الحديث الذي أخرجه مسلم (١١٨٥) عن ابن عباس.