للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه الفرق الثلاث سَرَى داؤها وبلاؤها في الناس، ولم ينجُ منه إلا أتباع الرسول العارفون بحقيقة ما جاء به، المتمسِّكون به دون ما سواه، ظاهرًا وباطنًا.

فداءُ التعطيل، وداء الإشراك، وداءُ مخالفة الرسول، وجحد ما جاءَ به أو شيء منه: هي أصل بلاء العالم، ومنبع كل شرٍّ، وأساس كل باطل، فليست فرقة من فرق أهل الإلحاد والباطل والبدع إلا وقولها مشتقٌّ من هذه الأصول الثلاثة، أو من بعضها:

فإِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ ... وَإِلَّا فَإِنِّي لَا أظُنُّكَ نَاجِيا (١)

فصل

فَسَرَتْ هذه البلايا الثلاثة في كثير من طوائف الفلاسفة، لا في جميعهم، فإن الفلسفة من حيث هي لا تُعطي ذلك، فإن معناها: محبةُ الحِكْمَة، والفيلسوف أصله: فِيْلاسوفا، أي: محب الحكمة، فـ (فيلا) هي الحبّ، و (سُوفا) هي الحكمة.

والحكمة نوعان: قولية وفعلية، فالقولية: قول الحقّ، والفعلية: فعل الصواب، وكل طائفةٍ من الطوائف لهم حكمة يتقيّدُون بها.

وأصحّ الطوائف حكمةً: من كانت حِكمتُهم أقرب إلى حكمة الرسل التي جاءوا بها عن الله تعالى.


(١) البيت للأسود بن سريع في البيان والتبيين (١/ ٣٦٧). وسرقه الفرزدق كما في المعارف (ص ٥٥٧). وهو لعسعس بن سلامة في المستقصى (١/ ٣٨٥). انظر تعليق المحقق على طبقات فحول الشعراء (ص ١٨٢).