للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأيّ موجودٍ فُرِض كان أكملَ من هذا الإله الذي دعت إليه الملاحدة، ونَحتَتْه أفكارهم، بل منحوت الأيدي من الأصنام له وجودٌ، وهذا الرب ليس له وجودٌ، ويستحيل وجوده إلا في الذهن.

هذا، وقول هؤلاء الملاحدة أصلحُ من قول مُعلّمهم الأول أرسطو، فإن هؤلاء أثبتوا وجودًا واجبًا، ووجودًا ممكنًا هو معلولٌ له وصادرٌ عن صدور المعلول عن العلة، وأما أرسطو فلم يُثبته إلا من جهة كونه مبدأً عقليًا للكثرة، وعِلَّةً غائيةً لحركة الفلك فقط، وصرَّح بأنه لا يعقل شيئًا، ولا يفعل باختياره.

وأما هذا الذي يوجد في كتب المتأخرين من حكاية مذهبه، فإنما هو من وَضع ابن سينا، فإنه قَرّب مذهب سلفه الملاحدة من دين الإسلام بجَهْده، وغايةُ ما أمكنه أنْ قرّبه من أقوال الجهمية الغالين في التّجهُّم، فهم في غُلوِّهم وفي تعطيلهم ونفيهم أسدُّ مذهبًا، وأصحُّ قولًا من هؤلاء.

فهذا ما عند هؤلاء من خبر الإيمان بالله عز وجل.

وأما الإيمان بالملائكة: فهم لا يعرفون الملائكة، ولا يؤمنون بهم، وإنما الملائكة عندهم ما يَتصوَّره النبي بزعمهم في نفسه من أشكال نُورانية، هي العقول عندهم، وهي مجرّدات ليست داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوق السماوات، ولا تحتها، ولا هي أشخاص تتحرك، ولا تصعد، ولا تنزل، ولا تدبّر شيئًا، ولا تتكلم، ولا تكتب أعمال العبد، ولا لها إحساس، ولا حركة البتة، ولا تنتقل من مكان إلى مكان، ولا تَصُفّ عند ربها، ولا تصلِّي، ولا لها تصرُّف في أمر العالم البتة، فلا تقبض نفس العبد، ولا تكتب رزقه وأجله وعمله، ولا عن اليمين وعن الشمال قعيد، كل هذا لا حقيقة له عندهم البتة.