للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علمهم أن المسيح عليه السلام لم يُصَلّ إلى المشرق أصلًا، بل قد نَقل مُؤرّخوهم أن ذلك حَدَث بعد المسيح بنحو ثلاث مئة سنة، وإلا فالمسيح إنما كان يصلي إلى قبلة بيت المقدس، وهي قبلة الأنبياء قَبْله، وإليها كان يصلي النبي - صلى الله عليه وسلم - مدّة [١٥٩ أ] مُقامه بمكة، وبعد هِجْرته ثمانية عشر شهرًا، ثم نقله الله تعالى إلى قِبْلة أبيه إبراهيم (١).

ومن ذلك: أن طوائف منهم وهم الروم وغيرهم لا يرون الاستنجاء بالماء، فيبولُ أحدُهم ويَتغوّط، ويقومُ بأثر البول والغائط إلى صلاته بتلك الرائحة، فيستقبلُ الشرق، و يُصَلّب على وجهه، ويُحَدّثُ مَنْ يَليه بأنواع الحديث، كذبًا كان، أو فجورًا، أو غِيْبة، أو سَبًّا وشَتْمًا، ويخبره بسِعْر الخمر ولَحْم الخنزير، وما شاكل ذلك، ولا يَضُرّ ذلك في الصلاة، ولا يبطلها، وإن دعته الحاجةُ إلى البول في الصلاة بالَ وهو يصلي، ولا يضرُّ صلاته.

وكلّ عاقلٍ يعلم أن مواجهة إله العالمين بهذه العبادة قبيحٌ جدًّا، وصاحبُها إلى استحقاق غضبه وعقابه أقربُ منه إلى الرِّضا والثواب.

ومن العجيب أنهم يَقرأون في التوراة: «ملعونٌ من تعلّق بالصّليب»، وهم قد جعلوا شعار دينهم ما يُلعَنون عليه، ولو كان لهم أدنى عقلٍ لكان الأولى بهم أن يُحرّقُوا الصليب حيث وجدوه، ويُكَسّروه ويُضمّخوه بالنجاسة، فإنه صُلبَ عليه إلههم ومعبودهم بزعمهم، وأُهين عليه، وفُضِح وخُزي.


(١) في حديث البراء بن عازب الذي أخرجه البخاري (٤٤٨٦)، ومسلم (٥٢٥): «ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا». وانظر فتح الباري (١/ ٩٧).