للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما نظر أئمتهم إلى أن التوراة غيرُ ناطقة بتحريم مآكل الأمم عليهم إلا عُبّاد الأصنام، وأن التوراة قد صَرّحت بأن تحريم مؤاكلتهم ومخالطتهم خوفَ استدراج المخالطة إلى المناكحة، وأن مناكحتهم إنما مُنع منها خوفَ استتباعها إلى الانتقال إلى أديانهم، وعبادة أوثانهم، ووجدوا جميع هذا واضحًا في التوراة، اختلقوا كتابًا في علم الذّباحة، ووضعوا فيه من التشديد والآصار والأغلال ما شغلوهم به عمَّا هم فيه من الذل والمشقة.

وذلك أنهم أمروهم أن ينفخوا الرّئة، حتى يملأوها هواءً، ويتأملونها: هل يخرجُ الهواء من ثقب منها أم لا؟ فإن خرج منها الهواء حَرّموها، وإن كان بعض أطراف الرئة لاصقًا ببعض لم يأكلوه.

وأمروا الذي يتفقد الذبيحة أن يدخل يده في بطن الذبيحة، ويتأمل بأصابعه: فإن وجد القلب ملتصقًا إلى الظهر، أو أحد الجانبين ولو كان الالتصاق بعرق دقيق كالشعرة، حرموه ولم يأكلوه، وسمَّوه طَريفا؛ يعنون بذلك أنه نجس وأكله حرام.

وهذه التسمية هي أصل بلائهم.

وذلك أن التوراة حَرّمت عليهم أكل الطريفا، والطريفا: هي الفريسة التي يفترسها الأسد أو الذئب، أو غيرهما من السباع، وهو الذي عَبّر عنه القرآن بقوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} [المائدة: ٣].

والدليل على ذلك أنه قال في التوراة: «ولحمًا في الصحراء فريسةً لا تأكلوه، وللكلب ألقوه».

وأصل لفظ «طريفا»: طوارف، وقد جاءت هذه اللفظة في التوراة في