للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخاملة، القليلة الزائلة (١) صدقًا؟

فثبت أنه لا يُمكنُ يهوديًّا على وجه الأرض أن يصدِّق بنبوّة موسى عليه السلام إلا بتصديقه وإقراره بنبوة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يمكن نصرانيًّا البتة الإيمانُ بالمسيح عليه السلام إلا بعد الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.

ولا ينفعُ هاتين الأمتين شهادةُ المسلمين بنبوة موسى والمسيح، لأنهم إنما آمنوا بهما على يد محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكان إيمانهم بهما من الإيمان بمحمدٍ، وبما جاء به، فلولاه ما عرفنا نبوتهما، ولا آمنَّا بهما ولا بنبيِّهما.

فإن أمة الغضب والضلال ليس بأيديهم عن أنبيائهم ما يوجبُ الإيمانَ بهم، فلولا القرآنُ ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - ما عرفنا شيئًا من آيات الأنبياء المتقدمين.

فمحمد - صلى الله عليه وسلم - وكتابه هو الذي قرَّر نبوة موسى، ونبوة المسيح عليهما الصلاة والسلام، لا اليهود والنصارى.

بل كان نفسُ ظهوره ومجيئه تصديقًا لنبوتهما، فإنهما أخبرا به، وبشَّرا بظهوره قبل ظهوره، فلما بُعث كان بعثه تصديقًا لهما.

وهذا أحد المعنيين في قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) [١٧٤ ب] بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: ٣٦، ٣٧]، أي مجيئه تصديق لهم من جهتين: من جهة إخبارهم بمجيئه ومبعثه، ومن جهة إخباره بمثل ما أخبروا به، ومطابقة ما جاءوا به لما جاءوا به، فإن الرسول الأوّل إذا أتى بأمر لا يُعلَم إلا بالوحي، ثم جاء نبي آخر لم يقاربه في الزمان ولا في المكان ولا تلقّى عنه، بمثل ما جاء به سواءً: دلَّ ذلك على صدق


(١) ح، ش: «الذليلة».