للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرسولين الأول والآخر، وكان ذلك بمنزلة رجلين أخبر أحدهما بخبرٍ عن عِيان، ثم جاء آخرُ من غير بلده وناحيته بحيث نعلم أنه لم يجتمع به، ولا تلقى عنه، ولا عمَّن تلقى عنه، فأخبر بمثل ما أخبر به الأوّل سواءً، فإنه يُضْطَرُّ السامعُ إلى تصديق الأول والثاني.

والمعنى الثاني: أنه لم يأت مكذِّبًا لمن قبله من الأنبياء، مُزْرِيًا عليهم، كما يفعل الملوك المتغلِّبة على الناس بمن تقدّمهم من الملوك، بل جاء مصدقًا لهم، شاهدًا بنبوتهم، ولو كان كاذبًا متقولاً مُنْشِئًا من عنده سياسةً لم يُصدّق مَنْ قبله، بل كان يُزْري بهم، ويطعن عليهم، كما يفعل أعداء الأنبياء.

فصل

وقد اختلف أقوال الناس في التوراة التي بأيديهم: هل هي مُبَدّلة؟ أم التبديلُ والتحريف وقعَ في التأويل دون التنزيل؟ على ثلاثة أقوالٍ: طرفين ووسطٍ.

فأفرطت طائفةٌ وزعمت أنها كلَّها أو أكثرها مُبدلَّة مغيَّرة، ليست التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام، وتعرّض هؤلاء لتناقضها وتكذيب بعضها لبعضٍ.

وغلا بعضهم، فجوّز الاستجمار بها من البول.

وقابلهم طائفةٌ أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام، فقالوا: بل التبديلُ وقع في التأويل، لا في التنزيل. وهذا مذهب أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قال في «صحيحه» (١): «يُحَرّفُون: يزيلون، وليس أحدٌ


(١) (١٣/ ٥٢٢) مع الفتح.