للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من قلة الرفيق ولا من فقده؛ إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل (١) الأول، {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩]؛ فتفرُّدُ العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب.

ولقد سئل إسحاق بن راهَوَيْه عن مسألة فأجاب عنها، فقيل له: إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل قولك، فقال: ما ظننتُ أن أحدًا يوافقني عليها، ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافق؛ فإن الحق إذا لاح وتبيَّن لم يَحْتَجْ إلى شاهد يشهد به. [٢١ ب]

والقلب يُبْصِرُ الحقَّ كما تبصر العينُ الشمسَ؛ فإذا رأى الرائي الشمس لم يحتج ــ في علمه بها واعتقاده أنها طالعة ــ إلى من يشهد بذلك ويوافقه عليه.

وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب «الحوادث والبدع» (٢). «حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة: فالمراد به لزوم الحق واتّباعه، وإن كان المتمسِّك به قليلًا، والمخالف له كثيرًا؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم.

قال عمرو بن ميمون الأوْدي: صحبتُ معاذًا باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود، فسمعته يقول: عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ثم سمعته يومًا من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاةٌ يؤخِّرون الصلاة عن مواقيتها،


(١) ش: «الرفقة».
(٢) هو «الباعث على إنكار البدع والحوادث» (ص ٢٦، ٢٧) ط. بشير عيون.