للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل» (١).

وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة، وقرب منها، حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتلَّ آثر الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها.

ومن علامات صحة القلب: أنه لا يزال يَضرِب على صاحبه، حتى يُنيب إلى الله ويُخْبِت إليه، ويتعلق به تعلُّق المحب المضطر إلى محبوبه، الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأُنس به. فبه يطمئن، وإليه يسكن، وإليه يأوي، وبه يفرح، وعليه يتوكل، وبه يثق، وإياه يرجو، وله يخاف. فَذِكْرُه: قُوتُه وغذاؤه، ومحبته والشوق إليه: حياته ونعيمه ولذته وسروره، والالتفات إلى غيره والتعلق بسواه: داؤه، والرجوع إليه: دواؤه. فإذا حصل له ربُّه سكن إليه واطمأن به، وزال ذلك الاضطراب والقلق، وانسدَّتْ تلك الفاقة، فإن في القلب فاقة لا يسدُّها شيء سوى الله تعالى أبدًا، وفيه شعثٌ (٢) لا يَلُمُّه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده، فهو دائمًا يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذٍ يباشر روح الحياة، ويذوق طعمها، وتصير له حياة


(١) علقه البخاري في كتاب الرقاق، باب: في الأمل وطوله، عن علي مجزومًا به، وهو موصول عند ابن المبارك في الزهد (ص ٨٦)، وابن أبي شيبة في المصنف (٧/ ١٠٠)، وأحمد في الزهد (ص ١٣٠)، وهناد في الزهد (١/ ٢٩٠ - ٢٩١)، وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (٤٩)، وأبي نعيم في الحلية (١/ ٧٦)، وغيرهم.
(٢) الأصل: «شعب». والمثبت من بقية النسخ.