للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتحقيق: أنه لا نزاع بين الفريقين؛ فإنها واحدة باعتبار ذاتها، وثلاثة (١) باعتبار صفاتها، فإذا اعتُبرت بنفسها فهي واحدة، وإن [٢٣ ب] اعتُبرت مع كل صفة دون الأخرى فهي متعددة، وما أظنهم يقولون: إن لكل أحد ثلاث أنفس؛ كل نفس قائمة بذاتها، مساوية للأخرى في الحد والحقيقة، وأنه إذا قُبض العبد قُبضت له ثلاثة أنفس، كل واحدة مستقلة بنفسها!

وحيث ذكر سبحانه النفس وأضافها إلى صاحبها؛ فإنما ذكرها بلفظ الإفراد، وهكذا في سائر الأحاديث، ولم يجئ في موضع واحد: «نفوسك» و «نفوسه»، ولا «أنفسك» و «أنفسه»؛ وإنما جاءت مجموعة عند إرادة العموم، كقوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: ٧]، أو عند إضافتها إلى الجمع؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما أنفسنا بيد الله» (٢)، ولو كانت في الإنسان ثلاثة أنفس لجاءت مجموعة إذا أضيفت إليه؛ ولو في موضع واحد.

فالنفس إذا سَكَنَتْ إلى الله، واطمأنت بذكره، وأنابت إليه، واشتاقت إلى لقائه، وأنست بقربه، فهي مطمئنة، وهي التي يقال لها عند الموافاة (٣): {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: ٢٧، ٢٨].

قال ابن عباس: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}، يقول: المصدِّقة (٤).


(١) كذا في النسخ «ثلاثة» في جميع المواضع.
(٢) هذا من قول عليّ رضي الله عنه لما أيقظه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وفاطمة لقيام الليل، رواه البخاري (١٠٧٥)، ومسلم (٧٧٥).
(٣) ح: «الوفاة».
(٤) رواه ابن جرير في تفسيره (٢٤/ ٤٢٣) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعزاه في الدر المنثور (٨/ ٥١٤) لابن المنذر.