للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الحسن: «المؤمن قوّامٌ على نفسه، يُحاسِب نفسَه لله، وإنما خفّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، إن المؤمن يَفْجؤه الشيء ويعجبه، فيقول: والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات! حِيْلَ بيني وبينك. ويَفرُط منه الشيء، فيرجع إلى نفسه، فيقول: ما أردتُ إلى هذا ما لي ولهذا؟ والله لا أعود إلى هذا أبدًا. إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن، وحال بينهم وبين هَلَكَتِهم، إن المؤمن أسيرٌ في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئًا حتى يَلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه، وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله» (١).

وقال مالك بن دينار: «رحم الله عبدًا قال لنفسه: ألستِ صاحبةَ كذا؟ ألستِ صاحبةَ كذا؟! ثم زَمَّها، ثم خَطَمَها، ثم ألزمها كتابَ الله عز وجل، فكان لها قائدًا» (٢).

وقد مُثِّلَتِ النفسُ مع صاحبها بالشريك في المال، فكما أنه لا يتم مقصود الشركة من الربح إلا بالمشارطة على ما يفعل الشريك أولًا، ثم


(١) رواه ابن المبارك في الزهد (٣٠٧)، وأبو نعيم في الحلية (٢/ ١٥٧)، ومن طريق ابن المبارك رواه ابن أبي شيبة (٧/ ١٨٨ - ١٨٩)، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس (١٧)، والدينوري في المجالسة (١٥٥٦)، وابن الجوزي في ذم الهوى (ص ٤١ - ٤٢)، والمزي في تهذيب الكمال (٣١/ ٥٣١).
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس (٨)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٥٦/ ٤٢٠).