للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويكون المعنى: وما سلّطناه عليهم إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة (١).

قال ابن قُتيبة (٢): «إن إبليس لما سأل الله النظرة: فأنظَره، قال: لأُغوِينَّهم ولأُضِلَّنهم ولآمرنَّهم بكذا، ولأتخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا، وليس هو في وقت هذه المقالة مستيقنًا أن ما قدّره فيهم يتمّ، وإنما قاله ظانًّا، فلما اتّبعوه وأطاعوه صدَّق عليهم ما ظنَّه فيهم، فقال تعالى: وما كان تسليطنا إياه إلا لنعلم المؤمنين من الشاكِّين، يعني: نعلمهم موجودين ظاهرين، فيحق القول ويقع الجزاء».

وعلى هذا فيكون السلطان هاهنا على من لم يؤمن بالآخرة وشكّ فيها، وهم الذين تولَّوه وأشركوا به؛ فيكون السلطان ثابتًا لا منفيًّا، فتتفق هذه الآية مع سائر الآيات.

فإن قيل: فما تصنع بالتي في سورة إبراهيم؟ حيث يقول لأهل النار: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: ٢٢]، وهذا وإن كان قوله فالله سبحانه أخبر به عنه مُقررًا له لا منكرًا، فدلّ على أنه كذلك.

قيل: هذا سؤال جيد، وجوابه: أن السلطان المنفي في هذا الموضع هو الحجة والبرهان؛ أي ما كان لي عليكم من حجة وبرهان أحتجُّ به عليكم، كما قال ابن عباس: «ما كان لي من حجة أحتجُّ بها عليكم» (٣)؛ أي ما


(١) م: «بالله».
(٢) في «تأويل مشكل القرآن» (ص ٣١١).
(٣) علّق البخاري في كتاب التفسير، باب: سورة بني إسرائيل، بصيغة الجزم عن ابن عباس قال: «كل سلطان في القرآن فهو حجة»، وهو موصول عند عبد الرزاق في تفسيره (٢/ ٣٩٩)، وابن جرير في تفسيره (١٩/ ٤٤٤)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٥٧٧٨، ١٦٢٣٢)، وغيرهم، وصحّح إسناده ابن كثير في تفسيره (٢/ ٤٤١)، وابن حجر في الفتح (٨/ ٣٩١).