للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك مع غير عائشة، مثل ميمونة وأم سلمة. وهذا كله في «الصحيح» (١).

وثبت أيضًا في «الصحيح» (٢) عن ابن عمر، أنه قال: «كان الرجال والنساء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضَّأون من إناء واحد».

والآنية التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه وأصحابه ونساؤهم يغتسلون منها لم تكن من كبار الآنية، ولا كانت لها مادة تمدُّها، كأنبوب الحمام ونحوه، ولم يكونوا يراعون فيضانها حتى يجري الماء من حافاتها، كما يراعيه جهال الناس ممن بُلي بالوسواس في جُرْن الحمام.

فهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي من رغب عنه فقد رغب عن سنته: جواز الاغتسال من الحياض والآنية، وإن كانت ناقصة غير فائضة. ومن انتظر الحوض حتى يفيض ثم استعمله وحده، ولم يُمكِّن أحدًا أن يشاركه في استعماله، فهو مبتدع مخالف للشريعة.

قال شيخُنا: ويستحق التعزير البليغ، الذي يزجره وأمثالَه عن أن يشرعوا في الدين ما لم يأذن به الله، ويعبدوا الله بالبدع لا بالاتباع.

ودلَّت هذه السنن الصحيحة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يكونوا يُكثِرون صبّ الماء، ومضى على هذا التابعون لهم بإحسان.

قال سعيد بن المسيّب: «إني لأستنجي من كوز الحُبِّ، وأتوضأ، وأُفْضِلُ منه لأهلي» (٣).


(١) البخاري (٢٥٠، ٢٥٣)، ومسلم (٣٢١، ٣٢٢، ٣٢٤).
(٢) البخاري (١٩٣).
(٣) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وسيأتي بمعناه فيما رواه الأثرم عن عبد الرحمن بن عطاء أنه سمع سعيد بن المسيب ورجلًا من أهل العراق يسأله عما يكفي الإنسان في غسل الجنابة، فقال سعيد: «إنّ لي تورًا يسع مدَّين من ماء أو نحوهما، فأغتسل به ويكفيني ويفضل منه فضلٌ» ... قال: وقال سعيد: «إن لي ركوة أو قدحًا ما يسع إلا نصف المد أو نحوه، ثم أبول ثم أتوضأ وأفضل منه فضلًا».