للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، والجائر عنهُ إما مُفرِّط ظالم، أو مجتهد متأوّل، أو مقلد جاهل، فمنهم المستحق للعقوبة (١)، ومنهم المغفور له، ومنهم المأجور أجرًا واحدًا، بحسب نيَّاتهم ومقاصدهم، واجتهادهم في طاعة الله ورسوله، أو تفريطهم.

ونحن نسوق من هَدْي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه ما يبين أيّ الفريقين أولى باتباعه، ثم نجيب عما احتجوا به، بعون الله وتوفيقه.

ونقدِّم قبل ذلك ذكر النهى عن الغلوّ، وتعدِّي الحدود، والإسراف، وأن الاقتصاد والاعتصام بالسنة عليهما مدار الدين.

قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: ١٧١]، وقال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: ١٤١]، وقال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: ٢٢٩]، وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: ٥٥]، وقال تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: ١٩٠].

وقال ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غَدَاة العَقَبَة وهو على ناقته: «الْقُطْ لي حَصًى»، فلقطتُ له سبع حصياتٍ من حصى الخَذْف، فجعل ينفُضُهُنّ في كَفّه ويقول: «أمثال هؤلاء فارْموا»، ثم قال: «أيها الناس! إياكم والغلوَّ في الدين؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم الغلوُّ في الدين»، رواه الإمام أحمد، والنسائي (٢).


(١) في الأصل: «للمغفرة». والمثبت من النسخ الأخرى.
(٢) مسند أحمد (١/ ٢١٥، ٣٤٧)، سنن النسائي (٣٠٥٧، ٣٠٥٩)، ورواه أيضًا ابن سعد في الطبقات (٢/ ١٨٠ - ١٨١)، وابن أبي شيبة (٣/ ٢٠٣، ٢٤٨)، وابن ماجه (٣٠٢٩)، وأبو يعلى (٢٤٢٧، ٢٤٧٢)، والطبراني في الكبير (١٢/ ١٥٦)، وغيرهم، وصححه ابن الجارود (٤٧٣)، وابن خزيمة (٢٨٦٧)، وابن حبان (٣٨٧١)، والحاكم (١٧١١)، والنووي في المجموع (٨/ ١٧١)، وابن تيمية في الاقتضاء (ص ١٠٦)، وابن القيم في إعلام الموقعين (٤/ ٤٠٧)، وهو في السلسلة الصحيحة (١٢٨٣).