للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الصلاة: أين تمضي؟ لقال: أريد أصلي صلاة الظهر مع الإمام، فكيف يشك عاقل في هذا من نفسه وهو يعلمه يقينًا؟

بل أعجب من هذا كله: أن غيْرَه يعلم بنيته بقرائن الأحوال؛ فإنه إذا رأى إنسانًا جالسًا في الصف في وقت الصلاة عند اجتماع الناس علم أنه ينتظر الصلاة، وإذا رآه قد قام عند إقامتها ونهوض الناس إليها علم أنه إنما قام ليصلي، فإن تقدم بين يدي المأمومين علم أنه يريد إمامتهم، فإن رآه في الصف علم أنه يريد الائتمام.

قال (١): فإذا كان غيره يعلم نيته الباطنة بما ظهر من قرائن الأحوال، فكيف يجهلها من نفسه مع اطّلاعه هو على باطنه؟ فقَبوله من الشيطان أنه ما نوى: تصديقٌ له في جحد العِيان، وإنكار الحقائق المعلومة يقينًا، ومخالفة للشرع، ورغبة عن السنة وعن طريق الصحابة.

ثم إن النية الحاصلة لا يمكن تحصيلها، والموجودة لا يمكن إيجادها؛ لأن من شرط إيجاد الشيء كونه معدومًا، فإن إيجاد الموجود محال، وإذا كان كذلك فما يحصل له بوقوفه شيءٌ، ولو وقف ألف عام.

قال (٢): ومن العجب أنه يتوسوس حالَ قيامه حتى يركع الإمام، فإذا خشي فوات الركوع كبر سريعًا وأدركه، فمن لم يُحصِّل النيةَ في الوقوف الطويل حال فراغ باله كيف يُحصِّلها في الوقت الضيق مع شغل باله بفوات الركعة؟


(١) أي ابن قدامة (ص ٥٨).
(٢) ابن قدامة (ص ٥٩).