للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويصرخ بالتكبير كأنه يكبِّر على العدو.

ولو مكث أحدهم عُمُرَ نوح يُفتِّش: هل فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أحدٌ من أصحابه شيئًا من ذلك لما ظفر به؛ إلا أن يجاهر بالكذب البحت! فلو كان في هذا خير لسبقونا إليه، ولدلُّونا عليه فإن كان هذا هُدًى فقد ضلوا عنه، وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال؟

قال (١): ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة، مثل تكرير بعض الكلمة، كقوله في التحيات: أت أت، التحيّ التحيّ، وفى السلام: أَسْ أَسْ، [٤١ ب] وقوله في التكبير: أكككبر ... ونحو ذلك، فهذا؛ الظاهر بطلان الصلاة به، وربما كان إمامًا فأفسد صلاة المأمومين، وصارت الصلاة التي هي من أكبر الطاعات أعظمَ إبعادًا له عن الله من الكبائر، وما لم يُبطل الصلاة من ذلك فمكروه وعدول عن السنة، ورغبة عن طريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهديِه، وما كان عليه أصحابه.

وربما رفع صوته بذلك؛ فآذى سامعيه، وأغرى الناسَ بذمِّه والوقيعة فيه، فجمع على نفسه طاعة إبليس، ومخالفة السنة، وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها، وتعذيب نفسه (٢)، وإضاعة الوقت، والاشتغال بما ينقص أجره، وفوات ما هو أنفع له، وتعريض نفسه لطعن الناس فيه، وتغرير الجاهل بالاقتداء به؛ فإنه يقول: لولا أن ذلك أفضل لما اختاره لنفسه، وأساء الظن بما جاءت به السنة، وأنه لا يكفي وحده، وانفعال النفس وضعفها للشيطان حتى يشتدَّ طمعُه فيه، وتعريضُه نفسه للتشديد عليه بالقَدَر عقوبةً له، وإقامته


(١) ابن قدامة في كتابه (ص ٦٣).
(٢) بعدها إلى بداية الفصل الآتي زيادة من المؤلف على كلام ابن قدامة.