للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الشبهات ما يشتبه فيه الحق والباطل، والحلال والحرام، على وجه لا يكون فيه دليلٌ على أحد الجانبين، أو تتعارض الأمارتان عنده، فلا تترجح في ظنه إحداها، فيشتبه عليه هذا بهذا، فأرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ترك المشتبه، والعدول إلى الواضح الجلي.

ومعلوم أن غاية الوسواس أن يشتبه على صاحبه: هل هو طاعة وقربة، أم معصية وبدعة؟ هذا أحسن أحواله، والواضح الجلي هو اجتماع طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما سنّهُ للأمة قولاً وعملاً، فمن أراد ترك الشبهات عدل عن ذلك المشتبه إلى هذا الواضح؛ فكيف ولا شبهة بحمد الله هناك؟ إذ قد بينت (١) بالسنة أنه تَنَطّع وغلو، فالمصير إليه تركٌ للسنة، وأخذ بالبدعة، ترك لما يحبه الله ويرضاه، وأخذٌ بما يكرهه ويبغضه، ولا يُتقَرّب به إليه البتة؛ فإنه لا يُتَقرّب إليه إلا بما شرع، لا بما يهواه العبد ويفعله من تلقاء نفسه، فهذا هو الذي يحيك في الصدر، ويتردد في القلب، وهو حَوَازُّ القلوب.

وأما التمرة التي ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكلها، وقال: «أخشى أن تكون من الصدقة»؛ فذلك من باب اتقاء الشبهات، وترك ما اشتبه فيه الحلال بالحرام؛ فإن التمرة كانت قد وجدها في بيته، وكان يؤتَى بتَمْر الصدقة، يقسمه على من تحل له الصدقة، ويدخل بيتَه تمرٌ [٤٧ ب] يقتات منه أهله، فكان في بيته النوعان، فلما وجد تلك التمرة لم يدرِ - صلى الله عليه وسلم - من أيّ النوعين هي؟ فأمسك عن أكلها، فهذا الحديث أصل في الورع واتقاء الشبهات، فما لأهل الوسواس وما لَه؟

وأما قولُكم: إن مالكًا أفتى فيمن طلق ولم يَدْرِ أواحدةً طلّق أم ثلاثًا؟


(١) م: «ثبت».