للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن هذا محال ممتنع، سببُه قياس الرب تعالى على الملوك والكبراء، حيث يتخذ الرجل من خواصهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج، وبهذا القياس الفاسد عُبدت الأصنام، واتخذ المشركون من دون الله الشفيعَ والوليَّ.

والفرق بينهما هو الفرق بين الخالق والمخلوق، والرب والعبد، والمالك والمملوك، والغني والفقير، والذي لا حاجة به إلى أحد قط، والمحتاج من كل وجه إلى غيره.

فالشفعاء عند المخلوقين هم شركاؤهم؛ فإن قيام مصالحهم بهم، وهم أعوانهم وأنصارهم، الذين قيام أمر الملوك والكبراء بهم، ولولاهم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في الناس، فلِحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قَبول شفاعتهم، وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشافع؛ لأنهم يخافون أن يردّوا شفاعتهم، [٦٣ أ] فتنتقض طاعتهم لهم، ويذهبون إلى غيرهم، فلا يجدون بُدًّا من قبول شفاعتهم على الكره والرضا.

فأما الغنيّ الذي غناه من لوازم ذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وكل من في السماوات والأرض عبيدٌ (١) له، مقهورون بقهره، مصرَّفون بمشيئته، لو أهلكهم جميعًا لم ينقص من عِزّه وسلطانه ومُلكه وربوبيته وإلهيته مثقال ذرةٍ.

قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: ١٧].


(١) الأصل: «عبد».