للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والشافع لا يشفع عنده لحاجة الربّ إليه، ولا لرهبته منه، ولا لرغبته فيما لديه، وإنما يشفع عنده مُجرَّد امتثالٍ لأمره وطاعةٍ له، فهو مأمور بالشفاعة، مطيع بامتثال الأمر؛ فإن أحدًا من الأنبياء والملائكة وجميع المخلوقات لا يتحرك بشفاعةٍ ولا غيرها إلا بمشيئة الله وخَلْقه، فالرب تعالى هو الذي يحرِّك الشفيع حتى يشفع.

والشفيع عند المخلوق هو الذي يحرّك المشفوع إليه حتى يقبل، والشافع عند المخلوق مستغنٍ عنه في أكثر أموره، وهو في الحقيقة شريكه، ولو كان مملوكه وعبده، فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله منه من النفع بالنصر والمعاونة وغير ذلك، كما أن الشافع محتاج إليه فيما يناله منه من رزق أو نصر أو غيره، فكلٌّ منهما محتاج إلى الآخر.

ومن وفّقه الله لفهم هذا الموضع ومعرفته تبيَّن له حقيقة التوحيد والشرك، والفرق بين ما أثبته الله من الشفاعة وبين ما نفاه وأبطله، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠].

فصل

ومن مكايد عدوّ الله ومصايده، التي كاد بها من قلَّ نصيبه من العلم والعقل والدِّين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماعُ المُكاء والتصْدية، والغناء بالآلات المحرّمة، الذي (١) يصُدُّ القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفةً على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رُقية اللواط والزِّنى، وبه ينال العاشق الفاسق من


(١) الأصل: «التي».