للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن لا يرحم لا يُرحم، لولا أنه أمرٌ حق، ووعدٌ صِدق، وأن آخرنا سيلحق أوّلنا؛ لحزنَّا عليك حُزنًا هو أشدّ من هذا، وإنا بك لمحزونون، تبكي العينُ ويحزنُ القلبُ، ولا نقول ما يُسخط الرب». قال الترمذي: «هذا حديث حسن».

فانظر إلى هذا النهي المؤكّد، بتسميته صوت الغناء صوتًا أحمق، ولم يقتصر على ذلك، حتى وصفه بالفجور، ولم يقتصر على ذلك، حتى سمَّاه من مزامير الشيطان، وقد أقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق على تسمية الغناء مَزمور الشيطان في الحديث الصحيح كما سيأتي، فإن لم يستفد التحريم من هذا لم نستفده من نهْيٍ أبدا.

وقد اختُلف في قوله: «لا تفعلْ»، وقوله: «نهيتُ عن كذا»؛ أيهما أبلغُ في التحريم؟

والصواب بلا ريب: أن صيغة «نهيتُ» أبلغ في التحريم؛ لأن «لا تفعلْ» يحتمل النهي وغيره، بخلاف الفعل الصريح.

فكيف يستجيز العارف (١) إباحةَ ما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسمَّاه صوتًا أحمق فاجرًا، ومزمور الشيطان، وجعلَه والنياحة التي لعن فاعلها أخوين؟ وأخرج النهي عنهما مخرجًا واحدًا، ووصفهما بالحُمق والفجور وصفًا واحدًا؟

وقال الحسن (٢): «صوتان ملعونان: مِزمارٌ عند نِعْمة، ورَنّة عند مصيبة».


(١) م: «المعازف».
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (٦٥) من طريق صالح المري عن الحسن به، ورواه عبد الرزاق (١١/ ٦) عن معمر عن رجل عن الحسن.