للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالتأويلات الفاسدة؛ فإنهم لو استحلّوها مع اعتقاد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حرَّمها كانوا كفارًا، ولم يكونوا من أمته، ولو كانوا معترفين بأنها حرام لأوشك أن لا يعاقبوا بالمسخ، كسائر الذين يفعلون هذه المعاصي مع اعترافهم بأنها معصية، ولَمَا قيل فيهم: يَسْتَحِلّون، فإن المستحل للشيء هو الذي يفعله معتقدًا حِلّه، فيُشْبِهُ أن يكون استحلالهم للخمر يعني به: أنهم يُسَمّونَها بغير اسمها، كما جاء (١) في الحديث، فيشربون الأنبذة المحرّمة، ولا يسمونها خمرًا، واستحلالُهم المعازف باعتقادهم أن آلات اللهو مجردُ سمع صوت فيه لَذّة، وهذا لا يحرُم كأصوات الطيور، واستحلال الحرير وسائر أنواعه باعتقادهم أنه حلال في بعض الصور، كحال الجرب وحال الحكّة ونحوهما، فيقيسون عليه سائر الأحوال، ويقولون: لا فرق بين حالٍ وحال وهذه التأويلات ونحوها واقعة في الطوائف الثلاثة، الذين قال فيهم عبد الله بن المبارك رحمه الله:

وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلا الملُوكُ ... وَأحْبَارُ سَوءٍ ورُهْبَانُها (٢)

ومعلوم أنها لا تُغني عن أصحابها من الله شيئًا، بعد أن بَلّغ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبيّن تحريم هذه الأشياء بيانًا قاطعًا للعذرِ، مُقيمًا للحجة.

والحديث الذي رواه أبو داود (٣) بإسناد صحيح من حديث


(١) «جاء» ساقطة من م.
(٢) البيت له في بهجة المجالس (٢/ ٣٣٤)، وتمثل به إبراهيم بن أدهم كما في تاريخ دمشق (٦/ ٣٣٦)، والبداية والنهاية (١٣/ ٥٠٩).
(٣) سنن أبي داود (٣٦٩٠) لكن ليس فيه عنده قوله: «يعزف على رؤوسهم بالمعازف والقينات» إلى آخره، وقد عزاه المصنف فيما مضى لابن ماجه (٤٠٢٠)، وصحّح إسناده، وتقدّم تخريجه هناك.