للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالتجارة في كلام الله ورسوله، ولغة العرب، وعرف الناس، إنما تنصرف إلى البياعات المقصودة التي يقصد فيها الثمن والمثمَّن، وأما ما تواطآ فيه على الربا المحض، ثم أظهرا بيعًا غير مقصود لهما البتة، يتوسَّلان به إلى أن يعطيه مئة حالّة بمئة وعشرين مؤجَّلة، فهذا ليس من التجارة المأذون فيها، بل من الربا المنهي عنه، والله أعلم.

فصل

وأما استدلالكم بالمعاريض على جواز الحيل، فما أبطله من استدلال! فأين المعاريض التي يتخلّص بها الإنسانُ من الظلم والكذب إلى الحيل التي يُسْقِط بها ما فرض الله تعالى، ويستحِلّ بها ما حرم الله؟

فالمعَرِّض تكلّم بحقٍّ، ونطق بصدقٍ فيما بينه وبين الله تعالى، لاسيّما إذا لم يَنْوِ باللفظ خلاف ظاهره في نفسه، وإنما كان الظهور من ضعف فهم السامع وقُصوره في معرفة دلالة اللفظ، ومعاريضُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومزاحه عامّتُه كان من هذا الباب، كقوله: «نحن من ماء» (١)، و «إنا حاملوك على وَلَد الناقة» (٢)، و «زوجُكِ الذي في عينه بياض» (٣)، و «لا يدخلُ الجنة


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه أحمد (٣/ ٢٦٧)، والبخاري في الأدب المفرد (٢٦٨)، وأبو داود (٥٠٠٠)، والترمذي (١٩٩١)، وأبو يعلى (٣٧٧٦)، والبيهقي في الكبرى (١٠/ ٢٤٨)، والضياء في المختارة (١٨٩٩ - ١٩٠١)، وغيرهم من حديث أنس رضي الله عنه، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريبٌ»، وتبعه البغوي في شرح السنة (٣٦٠٥)، وهو في صحيح الأدب المفرد (٢٠٢).
(٣) ذكره ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص ٢٩٣) بغير إسناد، وذكره الغزالي في الإحياء (٣/ ١٢٩) عن زيد بن أسلم مرسلا، قال العراقي: «أخرجه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عبيدة بن سهم الفهري مع اختلافٍ».