للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخذه عليهم، وقد استثنى في الميثاق بقوله: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦]، وقد أحيط بهم.

ويوسف عليه السلام لم يكن قصده باحتباس أخيه الانتقام من إخوته؛ فإنه كان أكرمَ من هذا وإن كان في ضمن ما فعل من تأذّي أبيه أعظمُ من أذى إخوته؛ فإنما ذلك أمرٌ أمره الله تعالى به ليبلُغَ الكتاب أجله، ويَتِمّ البلاء الذي استحق به يوسف ويعقوب عليهما السلام كمال الجزاء، وعلوّ المنزلة، وتبلغ حكمة الله تعالى التي قدّرها وقضاها نهايتها.

ولو فُرِضَ أن يوسف عليه السلام قصد الاقتصاص منهم بما فعل فليس هذا بموضع خلاف بين العلماء؛ فإن الرجل له أن يُعاقب بمثل ما عُوقب به، وإنما موضع الخلاف: هل له أن يخونه، كما خانه، أو يسرقه كما سرقه؟ ولم تكن قصة يوسف عليه السلام من هذا النوع.

نعم، لو كان يوسف عليه السلام أخذ أخاه بغير أمره لكان لهذا المحتجّ شُبهةٌ، مع أنه لا شبهة له أيضًا على هذا التقدير؛ فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالاتفاق، ولو كان يوسف قد أخذ أخاه واعتقله بغير رضاه كان في هذا ابتلاءٌ من الله تعالى لذلك المعتقل، كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه، فيكون المبيح له على هذا التقدير وحيًا خاصًّا، كالوحي إلى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه (١)، وتكون حكمته في حق الأخ امتحانه وابتلاءه؛ لينال درجة الصبر على حكم الله، والرضا بقضائه، ويكون حالُه في هذا كحال أبيه يعقوب عليه السلام في احتباس يوسف عليه السلام عنه.


(١) «فيكون المبيح ... ابنه» ساقطة من م.