للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو شاهدتَ حاله وعَيْشَه لقلت:

وَمَا فِي الأرْضِ أشْقَى مِنْ مُحِبٍّ ... وَإنْ وَجَدَ الْهَوَى حُلْوَ المَذَاقِ

تَرَاهُ بَاكِيًا في كُلِّ حِينٍ ... مَخَافَةَ فُرْقَةٍ أَوْ لاشْتِيَاقِ

فَيَبْكِى إنْ نَأَوْا شوقًا إِلَيْهِمْ ... وَيَبْكِي إنْ دنَوْا خَوْفَ الْفِرَاقِ (١)

ولو شاهدت نومه وراحته لعلمت أن المحبة والمنام تعاهدا وتحالفا أن ليسا يلتقيان، ولو شاهدت فَيض مدامعه، ولهيب النار في أحشائه لقلت:

سُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ مُتْقِنِ صُنْعِهِ ... وَمُؤَلِّفِ الأَضْدَادِ دُونَ تَعاَنُدِ

قَطْرٌ تَوَلَّدَ عَنْ لَهِيبٍ فِي الحَشَا ... مَاءٌ ونارٌ فِي مَحَلٍّ وَاحِدِ (٢)

ولو شاهدت مسلك الحُبِّ في القلب وتَغَلْغُلَهُ فيه لعلمت أن الحُبَّ ألطفُ مسلكًا فيه من الأرواح في أبدانها.

فهل يليق بالعاقل أن يبيع هذا المُلْكَ المُطَاع لمن يَسُومُهُ سُوءَ العذاب، ويوقعُ بينه وبين وليِّه ومولاه الحقِّ الذي لا غَنَاءَ له عنه ولا بد له منه أعظمَ الحجاب؟

فالمحب بمن أحبه قتيل، وهو له عبد خاضع ذليل، إن دعاه لَبّاه، وإن قيل له: ما تتمنى؟ فهو غاية ما يتمناه، ولا يأنس بغيره ولا يسكن إلى سواه. فحقيق به أن لا يُمَلِّك رِقّه إلا لأجَلِّ حبيب، وأن لا يبيع نصيبه منه بأخسّ نصيب.


(١) كذا في م. وفي بقية النسخ: «حذر الفراق». وسبقت الأبيات.
(٢) لم أجد البيتين فيما بين يدي من المصادر.