للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقسيم الأعمال إلى صالح وفاسد: هو باعتبارها [١٢١ ب] في ذواتها تارة، وباعتبار مقاصدها ونياتها تارة.

وأما تقسيم المحبة والإرادة إلى نافعة وضارة، فهو باعتبار متعلَّقها ومحبوبها ومرادها، فإن كان المحبوب المراد هو الذي لا ينبغي أن يُحَبَّ لذاته ويراد لذاته إلا هو ــ وهو المحبوب الأعلى، الذي لا صلاح للعبد ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا بأن يكون هو وحده محبوبه ومراده وغاية مطلوبه ــ كانت محبته نافعة له، وإن كان محبوبه ومراده ونهاية مطلوبه غيره كانت محبته ضارَّة له وعذابًا وشقاءً.

فالمحبة النافعة: هي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه من السعادة والنعيم.

والمحبة الضارّة: هي التي تجلب لصاحبها ما يضرُّه من الشقاء والألم والعناء.

فصل

إذا تبيّن هذا، فالحي العالِمُ الناصح لنفسه لا يُؤْثِرُ محبة ما يضرّه، ويشقى به، ويتألم به، ولا يقع في ذلك إلا من فساد تصوُّره ومعرفته، أو من فساد قصده وإرادته، فالأول جهل، والثاني ظلم. والإنسان خلق في الأصل ظلومًا جهولًا، ولا ينفكّ عن الجهل والظلم إلا بأن يعلِّمه الله ما ينفعه، ويُلْهمه رُشْده. فمتى أراد به الخير علَّمه ما ينفعه، فخرج به من الجهل، ونفعه بما علَّمه، فخرج من الظلم. ومتى لم يُرِدْ به خيرًا أبقاه على أصل الخلقة، كما في «المسند» (١) من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) مسند أحمد (٢/ ١٧٦، ١٩٧)، ورواه أيضًا الطيالسي (٢٢٩١)، والترمذي (٢٦٤٢)، وابن أبي عاصم في السنة (٢٤١ - ٢٤٤)، والطبراني في مسند الشاميين (٥٣٢)، والآجري في الشريعة (٣٣٧، ٣٣٨)، وابن بطة في الإبانة (١٤٠٨، ١٤٠٩)، واللالكائي في أصول الاعتقاد (١٠٧٧ ـ ١٠٧٩)، والبيهقي في الأسماء والصفات (٢٢٩)، وغيرهم، ورُوي موقوفًا، قال الترمذي: «هذا حديث حسن»، وصحّحه ابن حبان (٦١٦٩، ٦١٧٠)، والحاكم (٨٣)، والبوصيري في إتحاف الخيرة (١/ ١٦٦)، وقال الهيثمي في المجمع (٧/ ٣٩٨): «رجال أحد إسنادَي أحمد ثقات»، وقال ابن حجر في فتاويه كما في الفيض (٢/ ٢٩٢): «إسناده لا بأس به»، وهو في السلسلة الصحيحة (١٠٧٦).