للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشبهة هؤلاء الفسقة الجهلة: أنهم لمَّا رأوا أبا حنيفة رحمه الله تعالى لم يوجب فيه الحدّ، ركّبوا على ذلك أنه ليس من كبائر الذنوب، بل من صغائرها، وهذا ظن كاذب، فإن أبا حنيفة لم يُسقط فيه الحدّ لخفَّة أمره، وإن جُرْمه عنده وعند جميع أهل الإسلام أعظم من جرم الزنى، ولهذا عاقب الله سبحانه أهله بما لم يعاقب به أمّة من الأمم، وجمع عليهم من أنواع العذاب ما لم يجمعه على غيرهم.

وشبهة من أسقط فيه الحد: أن فُحش هذا مركوز في طباع الأمم، فاكتُفِيَ فيه بالوازع الطَّبْعي، كما اكتُفِيَ بذلك في أكل الرّجيع وشرب البول والدم، ورُتب الحدّ على شرب الخمر، لكونه مما تدعو إليه النفوس.

والجمهور يجيبون عن هذا: بأن في النفوس الخبيثة المتعدية حدود الله أقوى الداعي لذلك، فالحدّ فيه أولى من الحدّ في الزنى، ولذلك وجب الحدّ على من وطئ أمه وابنته وخالته وجَدّته، وإن كان في النفوس وازعٌ وزاجر طَبْعي عن ذلك، بل حَدُّ هذا: القتل بكل حال، بِكْرًا كان أو مُحْصَنًا، في أصح الأقوال، وهو مذهب أحمد وغيره.

هذا، ونُفْرة النفوس عن ذلك أعظم بكثير من نُفرتها عن المُرْدان.

ونظيرُ هذا الظنّ الكاذب، والغلطِ الفاحش: ظنّ كثير من الجهال أن الفاحشة بالمملوك كالمباحة أو مباحةٌ، أو أنها أيسَرُ من ارتكابها من الحرّ، وتأولتْ هذه الفرقةُ القرآن على ذلك، وأدخلت المملوك في قوله: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٦]، حتى إن بعض النساء لتُمَكِّنُ عَبْدَها من نَفْسِها، وتتأولُ القرآن على ذلك، كما رُفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأةٌ تزوّجت عبدَها، وتأوّلت هذه الآية،