للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذلك في قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: ٢٢٤]، فالغاوون يتَّبعون الشعراء، وأصحابَ السماع الشعري الشيطاني، وهؤلاء لا ينفكّون عن طلب وصالٍ، أو سؤال نَوال، كما قال أبو تَمَّام لرجل: أما تعرفني؟ فقال: ومن أعْرَفُ بك مني؟

أَنْتَ بَيْنَ اثْنَتَينِ تَبْرُزُ لِلنَّا ... سِ وَكِلْتَاهُما بِوَجْهٍ مُذَالِ

لَسْتَ تَنْفَكُّ طَالِبًا لِوِصَالٍ ... مِنْ حَبِيبٍ أَوْ رَاجِيًا لِنَوَالِ

أيُّ مَاءٍ يَبْقَى لِوَجْهِكَ هَذَا ... بَيْنَ ذُلِّ الْهَوَى وَذُلِّ السُّؤَالِ (١)

والزنى بالفرْج وإن كان أعظم من الإلمام بالصغيرة، كالنظرة والقبلة واللمس، لكنَّ إصرار العاشق على مَحَبَّة الفعل وتوابعه ولوازمه، وتمنّيَه له، وحديث نفسه به أنه لا يتركه، واشتغالَ قلبه بالمعشوق: قد يكون أعظمَ ضررًا من فعل الفاحشة مَرّةً بشيء كثير، فإن الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثْمُهُ إثمَ الكبيرة، أو يُرْبِي عليها.

وأيضًا، فإن تعبُّد القلب للمعشوق شِرْكٌ، وفعل الفاحشة معصيةٌ، ومفسدة الشرك أعظمُ من مفسدة المعصية.

وأيضًا، فإنه قد يتخلص من الكبيرة بالتوبة والاستغفار، وأما العشقُ إذا تمكَّن من القلب فإنه يَعِزّ عليه التخلُّص منه، كما قال القائل:

تَاللّهِ مَا أسَرَتْ لَوَاحِظُكِ امْرَأً إلا وَعَزّ على الوَرَى استنقَاذُهُ (٢)


(١) الأبيات لعبد الصمد بن المعذّل في أخبار أبي تمام (ص ٢٤١، ٢٤٢)، ووفيات الأعيان (٢/ ١٣).
(٢) البيت من ذالية مشهورة لظافر الحداد في ديوانه (ص ١٢٧)، ومعجم الأدباء (٤/ ١٤٦٤)، ووفيات الأعيان (٢/ ٥٤١)، والمقفى (٤/ ٤٠). ووهم ابن باطيش فنسب أبياتًا منها إلى أبي بكر محمد بن أحمد بن الحداد الشافعي في المغني (٢/ ٣٣٣).