للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

فى بيان كيد الشيطان لنفسه، قبل كَيده للأبوين، ثم لم يَقتصر على ذلك، حتى كاد ذُرّيَة نفسه وذرية آدم، فكان مشؤومًا على نفسه، وعلى ذريته، وأوليائه، وأهل طاعته [١٣٨ أ] من الجنّ والإنس.

أما كيده لنفسه: فإن الله سبحانه لمَّا أمره بالسجود لآدم عليه السلام كان في امتثال أمره وطاعته سعادتُه وفلاحه وعِزُّه ونجاته، فسوَّلتْ له نفسه الجاهلة الظالمة أن في سجوده لآدم عليه السلام غَضاضةً عليه، وهَضْمًا لنفسه، إذ يَخضع ويقعُ ساجدًا لمن خُلق من طينٍ، وهو مخلوقٌ من نار، والنار بزعمه أشرف من الطين، فالمخلوق منها خيرٌ من المخلوق منه، وخضوع الأفضل لمن هو دونه غَضاضَةٌ عليه، وهضْمٌ لمنزلته!

فلما قام بقلبه هذا الهَوَسُ، وقارنَه الحسد لآدم لِمَا رأى ربَّه سبحانه قد خصّه به من أنواع الكرامة، فإنه خَلَقه بيده، ونفخ فيه من رُوحه، وأسْجَدَ له ملائكته، وعلَّمه أسماء كلّ شيء، وميّزه بذلك عن الملائكة، وأسكنه جنته، فبلغ الحسد من عَدُوّ الله كلَّ مبلغٍ، وكان عدو الله يُطيفُ به وهو صلصالٌ كالفَخّار، فيعجب منه، ويقول: لأمرٍ عظيم قد خُلق هذا، ولئن سُلِّط عليّ لأعصينّه، ولئن سُلّطتُ عليه لأُهْلِكَنّه، فلما تَمّ خلقُ آدم عليه السلام في أحسن تقويم وأكمل صورة وأجملها، وكمَلت محاسِنُه الباطنة بالعلم والحلم والوقار، وتولى ربُّه سبحانه خَلْقَهُ بيده، فجاء في أحسن خلق، وأتمّ صورة، طوله في السماء ستون ذراعًا، قد أُلبس رداءَ الجمال والحسن والمهابة والبهاء، فرأت الملائكة منظرًا لم يشاهدوا أحسن منه ولا أجمل، فوقعوا كلُّهم سجودًا له بأمْرِ ربهم تبارك وتعالى، فشَقّ الحسودُ قميصَهُ من