للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقل له: هذا أبوك إدريس , فلم يحسن التهجم عليه بمزيّة الأبوة مع ما هنالك من علوِّ الدَّرجة وعظيم المنزلة وما أكرم به من القرب , فلم يجد إدريس ما يُمِتُّ به مِمّا لا عَتبَ فيه إلا الأخوّة في النبوة التي رُفع بها مكاناً علياً فقال ما يناسِبُ حالَه: «مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح» , وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الأنبياء إخوة أولاد علّاتٍ دينهم واحد وأمهاتهم شتى» على أن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: ٣٣ - ٣٤] فبعض الأنبياء من نسل بعض وقد سماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إخوةً , فيكون قول إدريس «الأخ الصالح» من هذا القبيل , ولا يَضُرّ قول إدريس بالأخ الصالح , فالأخوّة في الدين والنبوة صادقة عليهما , كما أن النبوة والأخوّة صادقة عليه وعلى إبراهيم عليهما الصلاة والسلام , وكما لم يَضُرّ سارة عليها السلام حين أوصاها إبراهيم - عليه السلام - أن تقول للجبّار الذي دَعاها أن تقول: «إنه أخي» , وهي زوجته فالأخوّة صادقة عليهما بالإيمان كما قال إبراهيم: فإني لا أعلم على وجه الأرض مؤمناً غيري وغيرك , لكن قصّة سارة كانت من باب المعاريض وقصّة إدريس من باب الأدب والله أعلم , إذ كان ذلك المقام لا يقتضي غيره لما رأى من عظم العناية الإلهيّة والوِلاية الربانية وهذا تأويل لا بأسَ به إن شاء الله تعالى , وإن جعلنا رَدّ السلام والترحيب بلفظ الأخوّة والخلافة من خزنة السموات لم يبق إشكال فإن في سياق حديث الثعلبي أن كل باب يُفتح لهم يقال له: «حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء» لكن الروايات الأخرى لا تساعد على هذا المعنى وكذلك يَردُ قولُ آدم وإبراهيم: «مرحباً بالابن الصالح» والله تعالى أعلم؛ وفي هذا السياق لطيفة أخرى: وهي قول خَزَنة أبواب السموات: «حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة» فإنه مشعر بالاعتذار عن قولهم حين قال الله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: من الآية ٣٠] ... " (١).


(١) [ق ٧٧/ظ-ق ٧٨/و].

<<  <   >  >>