للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال الشابُ: لولا أنك من عظماء علماء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما أخبرتك , وإنها لفضيلة (١) خصّني الله بها , أخبرك يا سفيان أني كنتُ مع أبي في حياته , فخرجنا إلى بيت الله الحرام فبينا نحن في بعض المنازل إذ (٢) مرض أبي فمات وكان ذا بَهاء ونورٍ فلم يلبث أن اسوَدَّ وجهُه وأزرَقت (٣) عيناه وصار رأسه رأس حمارٍ فبقيت باهتاً حيران متعجباً أُفكر في حالِه فأقول كيف أكفنه وأدفنه في هذه الحال؟ ! إذ غلبتني عيناي فنمت فبينا أنا في نومي إذا بشاب قد دَخَل عليَّ بابَ البيت لا بالطويل ولا بالقصير كث اللحية سَبط الشعر واضح الجبين رَقيق الغرتين أبيض الثياب طيب الرائحة فجلس عند رأس أبي وكشف الغطاء عن وجهه وأمدّ يده اليُمنى على رأسه ووجهه وعينيه

, فأذهب الله السواد والزرقة وعاد كما كان ورجع إلى حاله , ثم قام الشابُ ليخرج فضربت بيدي عليه وقلت: من أنت؟ قد مَن الله عليّ وعلى أبي بك اليوم , فقال الشاب: أنا سيد ولد آدم ولا فخر أنا محمد بن عبدالله , يا شاب إن أباك كان بينه وبين الله سرٌ استحق تعجيل العقوبة في دار الدنيا والعذاب في الآخرة ولكن والدك كان لا يفتر في قيامه وقعوده وطعامه وشرابه في ليله ونهاره من الصلاة عليَّ فلما نزلت ملائكة العذاب وكان من أمره ما صار تسارعت إليَّ ملائكة الرحمة الموكلون بي وقالوا: يا محمد إن فلان بن فلان قد نزلت به ملائكة العذاب فعساك أن تشفع له إلى ربّك فاستشفعت فيه فشفعني فيه ربّي بفضله وكرمه , أفتلومني يا سفيان في إكثار الصلاة عليه وعلى أهل بيته في جميع المواطن؟ ! قال سفيان [ق ٨٨/و]: لا والله لا ألُومُك وإنها لفضيلة خصّك الله بها وإنّي بعد هذا لفاعلٌ مثل ما فعلت؛ وحكي عن القواريري قال: كان لنا جار ورّاق فمات فرؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك قال: قد غفر لي , فقيل: بماذا , قال: كنت إذا كتبت ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث كتبتُ: - صلى الله عليه وسلم - (٤) , وحكي عن محمد بن أبي سليمان قال: رأيت أبي في النوم فقلت: يا أبت ما فعل الله بك , قال: غفر لي , فقلت:


(١) في ب "الفضيلة".
(٢) في ب "إذا" بزيادة الألف , وهو خطأ.
(٣) في ب "وأن رقت".
(٤) ذكره ابن بشكوال في القربة إلى رب العالمين بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - سيد المرسلين ص ١٢١ , تحقيق: حسين محمد علي شكري , الطبعة الأولى ٢٠١٠ , دار الكتب العلمية.

<<  <   >  >>