للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قص شعرًا عقدتُ عقدة تحت ثيابي من الخيط، وأنا في آخر النَّاس، وإذا به يقول: أنا أحل وأنت تعقد.

وقال أبو الخير كرم بن الشيخ القدوة مطر الباذرائي: لما حضرتْ أبي الوفاةُ، قلتُ له: أَوْصني بمن أقتدي بعدك؟ فقال: بالشيخ عبد القادر. فظننته في غَلَبَةِ مرضه، فتركتُه ساعةً، ثم قلتُ له: أوصني بمن أقتدي بعدك؟ قال: بالشِّيخ عبد القادر، فتركته ساعةً، ثم أَعدْتُ عليه القول، فقال: يا بني، زمانٌ يكون فيه الشيخ عبد القادر لا يقتدى إلَّا به. فلما مات أتيتُ بغداد، وحضرتُ مجلس الشيخ عبد القادر، وفيه الشيخ بقاء بن بطو، والشيخ أبو سعد القيلوي والشيخ علي بن الهيتي، وغيرهم من أعيان المشايخ، فسمعتُه يقول: لستُ كوعاظكم، إنما أنا بأمر الله، إنما كلامي على رجال في الهواء. وجعل يرفع رأسه إلى الهواء، فرفعتُ رأسي إلى الفضاء، فإذا بإزائه صفوف رجال من نور على جبل من نور، قد حالوا بين نظري وبين السَّماء من كثرتهم، وهم مُطْرقون، ومنهم من يبكي، ومنهم من يرعد، ومنهم من في ثيابه نار، فأُغشي عليَّ، ثم قمتُ أعدو، وأشقُّ النَّاس حتى طلعت إليه فوق الكرسي، فأمسك بأُذُني، وقال: يا كرم، أما اكتفيتَ بأَوَّل مرَّة من وصية أبيك! فأطرقتُ من هيبته.

وقال مفرج بن نبهان بن ركاب الشيباني: لما اشتهَرَ أمرُ الشَّيخ عبد القادر اجتمع مئة فقيه من أعيان فقهاء بغداد، وأذكيائهم، على أن يسأله كلُّ واحدٍ منهم مسألة في فنٍّ من العلوم غير مسألة صاحبه، ليقطعوه بها، وأتوا مجلس وعظه، وكنتُ يومئذٍ فيه، فلما استقرَّ بهم المجلس أطرق الشَّيخ، فظهرت من صدره بارقةٌ من نور لا يراها إلَّا مَنْ شاءَ الله تعالى، ومرَّت على صدور المئة، ولا تمرُّ على أحدٍ منهم إلَّا ويُبْهَتُ ويضطرب، فصاحوا صيحةً واحدة، ومزَّقوا ثيابهم، وكشفوا رؤوسهم، وصَعِدُوا إليه فوق الكرسي، ووضعوا رؤوسهم على رِجْليه، وضجَّ أهلُ المجلسِ ضجَّةً واحدة، ظننتُ أنَّ بغداد رُجَّتْ لها، فجعل الشيخ يضمُّ إلى صدره واحدًا منهم بعد واحدٍ، حتى أتى على آخرهم، ثم قال لأحدهم: أما أنتَ فمسأَلَتُك كذا، حتى ذَكَر لكلٍّ منهم مسألته وجوابَها، فلما انقضى المجلس أتيتُهم، وقلتُ لهم: ما شأنكم؟ قالوا: لما جلسنا فقدنا جميع ما نعرفه من العِلْم حتى كأنه لم يمر بنا قَطّ، فلما ضمَّنا الشَّيخ إلى صَدْره